علي جمعة: الفقهاء لم يجيزوا مشاركة المسلمين لغيرهم في حروب المشركين
قال الدكتور علي جمعة، المفتي السابق للجمهورية، إن قدامي الفقهاء لم يجيزو للمسلمين القتال مع غير المسلمين ضد المشركين، في بلاد الحرب الذين يعيشون بها، حتي لا يعرضوا أنفسهم للحرب، ولا يحل إلا أن يخافوا على أنفسهم من أولئك المشركين، ولا بأس بقتالهم دفاعًا عن أنفسهم.
قتال المسلمين في دار الحرب
في الوقت الذي قال الإمام الشافعي أن الزبير قاتل مع أهل الحبشة، وإن لم يستكرهوهم على قتالهم كان أحب إلي ألا يقاتلوا، قال جمعة "ولا نعلم خبر الزبير رضي الله عنه يثبت ولو ثبت كان النجاشي مسلما كان آمن برسول الله وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم"
وكتب الدكتور علي جمعة تدوينة علي الفيس بوك "في قتال المسلمين مع غير المسلمين ضد غيرهم من المشركين قرر قدامى الفقهاء أنه: «إذا كان قوم من المسلمين مستأمنين في دار الحرب فأغار على تلك الدار قوم من أهل الحرب لم يحل لهؤلاء المسلمين أن يقاتلوهم; لأن في القتال تعريض النفس فلا يحل ذلك إلا على وجه إعلاء كلمة الله عز وجل وإعزاز الدين، وذلك لا يوجد هنا لأن أحكام أهل الشرك غالبة فيهم فلا يستطيع المسلمون أن يحكموا بأحكام أهل الإسلام، فكان قتالهم في الصورة لإعلاء كلمة الشرك، وذلك لا يحل إلا أن يخافوا على أنفسهم من أولئك، فحينئذ لا بأس بأن يقاتلوهم للدفع عن أنفسهم لا لإعلاء كلمة الشرك» (المبسوط للسرخسي).
الزبير يقاتل مع الحبشة
وقال جمعة "قال الإمام الشافعي: «قد قيل يقاتلهم قد قاتلهم الزبير وأصحاب له ببلاد الحبشة مشركين عن مشركين، ولو قال قائل يمتنع عن قتالهم لمعان منها: أن واجبا على من ظهر من المسلمين على المشركين فغنم فالخمس لأهل الخمس وهم متفرقون في البلدان، وهذا لا يجد السبيل إلى أن يكون الخمس مما غنم لأهل الخمس ليؤديه إلى الإمام فيفرقه، وواجب عليهم إن قاتلوا أهل الكتاب فأعطوا الجزية أن يحقنوا دماءهم، وهذا إن أعطوا الجزية لم يقدر على أن يمنعهم حتى يحقنوا دماءهم كان مذهبا، وإن لم يستكرهوهم على قتالهم كان أحب إلي ألا يقاتلوا، ولا نعلم خبر الزبير رضي الله عنه يثبت ولو ثبت كان النجاشي مسلما كان آمن برسول الله وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم». (الأم).
نموذج الحبشة في التعايش
وتبع علي جمعة: "وقال الإمام أحمد: «النجاشي كان مسلما كما قال الشافعي: وحديث أم سلمة في قصة الزبير حديث حسن، وكان ذلك قبل نزول هذه الأحكام في الغنيمة والخمس والجزية التي لأجلها استحب الشافعي ألا يقاتلوا إن لم يستكرهوهم على قتالهم» (معرفة السنن والآثار).
وأضاف "ويتضح من هذه المسألة أن الواقع الزمني والحال الاجتماعي الذي صيغت فيه المؤلفات والآراء الفقهية الكبرى كان له تأثير في توجيه أو تغليب نموذج من نماذج التعايش في هدي النبي صلى الله عليه وسلم على نموذج آخر، فإن الدولة والحضارة الإسلامية في زمانها الأول كانت في أوج ازدهارها وقوتها، ولقد انشغل الفقهاء المجتهدون حينئذ بالفقه الزمني والذي كان واجب وقتهم ولا غضاضة عليهم في ذلك، ولكل وقت واجبه المنوط بأهل العلم والدراية، شريطة ألا يخرجوا عن الإطار الذي حددته السيرة العطرة بأقوالها وأفعالها وتقريراتها."
وتابع جمعة "إن نموذج الحبشة وهو أن يكون المسلمون أقلية تعيش في مناخ من الأمن والعدل والحرية في ظل دولة غير إسلامية- فهذا النموذج أو هذه الحالة قد تبدو في القرن الثاني أو الثالث الهجري مجرد فرض مستبعد قيامه"
واختتم حديثه قائلًا: "وعليه فإن الفقهاء لم يستجيزوا التعامل معه أو تصوره; كي لا يكون تأصيل أحكام لمثل هذا النموذج فيه ذريعة للضعف، ولكن الزمان قد استدار والواقع قد تغير وربما تحتاج الأمة إلى أن تعود لهذا النموذج مرة أخري، فيتمسكوا بالسيرة العطرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويطبقوها في واقعهم الذي يعيشونه، ليهتدوا به في تعاملهم مع الأمم التي يعيشون فيها، غير مفرطين في ثوابت الدين وأصوله"