رئيس التحرير
عصام كامل

علي جمعة: تعايش المسلمين في الحبشة ضربة لمن يشوهون صورة الإسلام

الدكتور علي جمعة
الدكتور علي جمعة

قال الدكتور علي جمعة، المفتي السابق للجمهورية، إن اختيار الصحابة للتواجد في الحبشة هروبًا من اضطهاد المشركين لهم في مكة، يدل على أن الإسلام والمسيحية خرجا من بوتقه واحدة، مشيرًا إلى أن نموذج الحبشة ضرب فيه المسلمون الأوائل نموذج للتعايش مع الآخر ليتمسكوا بالسيرة العطرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته.

تعايش المسلمين في الحبشة

وأكد أن نموذج الحبشة يوضح للمسلمين بأن يخاطبوا غيرهم، بما يقربهم ويحببهم فيهم‏،‏ لا كما يفعل المتشددون ممن يلجأن إلى دول غير مسلمة ويصرون على التأكيد بأن أديان تلك الدول باطلة‏،‏ ويحاولون فرض رؤيتهم للإسلام في تلك الدول، ولا ينظرون لظروف أهلها وبيئتهم وعقائدهم التي نشؤوا عليها‏،‏ مما يشوه صورة الإسلام في العالم.  
وكتب الدكتور على جمعة تدوينة على الفيس بوك "عندما سأل النجاشي المسلمين‏،‏ بيّن له سيدنا جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في خطاب بليغ الحال التي وصل إليها أهل مكة من الانحلال الأخلاقي والديني‏، ‏وأخبره أن الله تعالى بعث رسولا من بينهم‏،‏ يتصف بكل خلق حسن وخصلة حميدة‏،‏ يدعوهم إلى الفضيلة وينقذهم من الرذيلة‏،‏ ويأمرهم بترك عبادة الأوثان إلى عبادة الله وحده"

الإسلام والمسيحية

وقال "وزاد جعفر‏: «وحرمنا ما حرم علينا‏،‏ وأحللنا ما أحل لنا‏،‏ فعدا علينا قومنا‏،‏ فعذبونا‏، ‏وفتنونا عن ديننا‏،‏ ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله تعالى، ‏وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث‏،‏ فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا‏،‏ وحالوا بيننا وبين ديننا‏،‏ خرجنا إلى بلادك‏،‏ واخترناك على من سواك‏;‏ ورغبنا في جوارك‏،‏ ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك».
وأضاف "ثم تلا عليه صدر سورة‏ «مريم»‏ فبكى النجاشي حتى اخضلت لحيته وبكت أساقفته حتى أخضلوا صحائفهم حين سمعوا ما تلا عليهم‏،‏ ثم قال لهم النجاشي‏: «إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة».
وتابع علي جمعة "وفي تلاوته لسورة مريم تأكيد للصلة الوثيقة بين المسيحية والإسلام‏،‏ وأنهما- كما قال النجاشي-‏ من مشكاة واحدة‏،‏ تحث جميعها على عبادة الله كما قال تعالى‏: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء:25].‏ وتدعو كذلك إلى التحلي بمحاسن الأخلاق والتواصل والتعايش مع الآخر في سلام‏،‏ قال سيدنا جعفر‏:‏ «وأمرنا بصدق الحديث‏، ‏وأداء الأمانة‏،‏ وصلة الرحم‏، ‏وحسن الجوار‏، ‏والكف عن المحارم والدماء‏،‏ ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات».

نموذح الحياة في الحبشة

وقال "وهذا ما تكرر مرة أخرى في قصة أبي سفيان‏- ‏وكان مشركا وقتها‏-‏ مع هرقل ملك الروم‏،‏ حين سأله عن صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحواله وعما يدعو إليه‏، ‏فاستدل بذلك على صدقه ونبوته ورسالته‏،‏ وقال له‏: «إن كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدمي هاتين‏،‏ وقد كنت أعلم أنه خارج‏،‏ لم أكن أظن أنه منكم‏،‏ فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه‏،‏ ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه» (‏البخاري‏: 1/15).

وأضاف "وفي ذلك إشارة للمسلمين في كل زمان ومكان‏،‏ بأن يخاطبوا غيرهم بما يقربهم ويحببهم فيهم‏،‏ لا كما يفعل المتشددون في هذا العصر ممن يلجأن إلى دول غير مسلمة ويصرون على التأكيد بأن أديان تلك الدول باطلة‏،‏ ويحاولون فرض رؤيتهم للإسلام في تلك الدول غير آبهين لظروف أهلها وبيئتهم وعقائدهم التي نشؤوا عليها‏،‏ مما يشوه صورة الإسلام في العالم‏، ‏ويعطي مبررا لمتعصبي الديانات الأخرى وكارهي الإسلام‏،‏ أن يروجوا صورا مغلوطة عن الإسلام والمسلمين.‏"

واختتم علي جمعة حديثه قائلًا: "إن نموذج الحبشة الرائع الذي ضربه المسلمون الأوائل في التعايش مع الآخر في بلاده نبراس للمسلمين في كل زمان ومكان ليتمسكوا بالسيرة العطرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته ويطبقوها في واقعهم الذي يعيشونه‏، ‏وهو نور يهتدون به في تعاملهم مع الأمم المختلفة التي يعيشون فيها‏،‏ وهو أيضا تأصيل وبيان لهم بأنهم على هدى وبصيرة من مشكاة النبوة‏،‏ وهذا كاف في راحة ضمائرهم وسكينة أنفسهم المؤمنة‏،‏ ودافع لهم كذلك إلى أن ينخرطوا في مجتمعاتهم الجديدة ويندمجوا مع تلك الأمم‏،‏ غير مفرطين في ثوابت الدين وأصوله‏،‏ تلك الثوابت التي تدعو إلى التعامل مع الآخر والتعايش السلمي معه‏، ‏في إطار من المشاركة والعطاء‏،‏ والعرفان والوفاء لذلك الآخر الذي استقبلهم في بلاده."
 

الجريدة الرسمية