قنبلة موقوتة داخل الأسر وصعب التشخيص.. ما هو مرض جنون الارتياب
جنون الارتياب من الأمراض النفسية التي تؤثر على حياة الشخص المصاب، وكذلك على حياة المحيطين به، وبشكل خاص المقربين، وهو من الأمراض النفسية التي تسبب مشاكلَ اجتماعية وأسرية، والمريض بهذا المرض النفسي يرتاب في نوايا كل مَن حوله، وتنعدم ثقته حتى في أقرب الناس إليه.
ما هو جنون الارتياب؟
وعن هذا المرض قال الدكتور مدحت دمرداش استشاري الصحة النفسية والعلاج النفسي الإكلينيكي وعلاج الإدمان والإرشاد الأسري: إن جنون الارتياب هو نمط دائم من الخبرة الداخلية والسلوك المنحرف عند المصاب عن المعدل الطبيعي لثقافة الفرد العادي، ويمتاز بطريقة تفكير غريبة الأطوار، ويتجلى ذلك بوضوح في منطقتين؛ الإدراك (الوجدان)، والأداء الشخصي في العلاقات مع الغير (الانفعال).
يبدأ ظهوره لدى المصاب في مرحلة البلوغ المبكر أو المراهقة، ويتميز بنموذج سائد طويل الأمد من الارتياب وانعدام الثقة في دوافع الآخرين، لافتراض شبه دائم بتواجد الحقد لديهم.
وأضاف الدكتور مدحت، أن الذي يعاني من هذا الاضطراب- حتى دونما أدلة مؤيدة؛ يفترض توجه الآخرين لاستغلاله أو ضرره أو خداعه بشكل مفرط، وبالتالي يفقد الثقة في وفاء أو مصداقية من حوله، ثم ونتيجة لحالة التيقظ الدائمة، يتعرض إلى صعوبات في بناء العلاقات مع الأشخاص في دائرته الصغيرة، فتصبح جميع علاقاته الشخصية والمهنية (الأزواج، الأصدقاء، زملاء العمل)، توضع تحت طائلة الضرر.
أعراض جنون الارتياب
وكشف استشاري الصحة النفسية والعلاج النفسي الإكلينيكي وعلاج الإدمان والإرشاد الأسري، عن أهم الأعراض عند المصاب ما يلي:
– الريبة المتكررة غير المبررة في وفاء الزوج/الشريك، بسبب الشك في التزام الآخرين.
– رصد تهديدات مبطنة مخفية مهينة موجهة له، لا يراها الآخرون حتى في الملاحظات البريئة أو النظرات العادية أو المواقف حسنة النوايا. بناءً عليه يقوم برد فعل غاضب وانتقام سريع.
– الميل بشدة، إلى الاستقلالية والاكتفاء الذاتي. الامتناع عن الكشف عن معلوماته للغير، خوفًا من استخدامها ضده، مع برودة المشاعر والبعد في العلاقات مع الآخرين. قد يصاب بالغيرة، ويتولى زمام التحكم.
– العدوانية، عدواني مولع بالجدل، ولا يتقبل النقد، ولا يتمكن من تبين موقعه في المشكلة؛ فهو دومًا على صواب.
– إضمار الضغينة والحقد؛ فلا يسامح ولا ينسى الإهانة، مفرط الحساسية، ويواجه صعوبة في الاسترخاء.
أسباب الإصابة بجنون الارتياب
حتى اليوم، لا تزال العوامل المسببة له غير واضحة.
يميل المختصون إلى ترجيح تأثير النموذج البيولوجي النفسي-الاجتماعي للسببية.
يشمل هذا النموذج شبكة معقدة من العناصر المهمة ذات الطبيعة المتداخلة. بمعنى، أهمية كلٍّ من العوامل البيولوجية والجينية (الناحية الوراثية)، والاجتماعية (تفاعل الشخص في مرحلة التطور المبكر مع أسرته وأصدقائه والأطفال حوله)، والنفسية (تشكل شخصية الفرد ومزاجه عبر بيئته مع المهارات المكتسبة لمواجهة الضغوط)..
على التوازي، تشير البحوث إلى وجود ارتفاع طفيف في خطر انتقال “تمرير” الاضطراب، من المصاب إلى أطفاله.
وتتجه الإحصاءات إلى تأكيد الثقل النوعي للناحية الوراثية (الجينات)، في ظهور الاضطراب.
وتدل المشاهدات على وجود علاقة بين ظهوره، وبين وجود أقرباء من ذوي درجة القرابة اللصيقة المصابون بالفصام (الشيزوفرانيا).
كما تلعب خبرات الطفولة المبكرة والمتضمنة للصدمات بنوعيها العاطفية والجسدية، دورًا في تطور الاضطراب؛ حيث سجل تأثير التجارب السلبية- خاصة إذا توطد وجودها في بيئة يسودها التهديد المنزلي، في ظهور الاضطراب. فمن العوامل المؤثرة في هذه الدائرة، تواجد ضغط الغضب الأبوي متطرف الحدة في الدرجة ومنعدم الأساس من الصحة أو النفوذ الأبوي المتعالي، مما يزرع لدى الطفل حالات متعمِّقة من انعدام الأمان.
مضاعفات مرض جنون الارتياب
هنا، تتداخل كلًا من هذه السلوكيات والتصرفات مع قدرة المصاب في الحفاظ على علاقاته، وعلى أدائه المجتمعي والمهني. في العديد من الحالات، يخوض المصابون معارك قانونية ضد الأفراد أو الشركات، لاعتقادهم بأنهم مستهدفين.
الاضطراب مزمن، ويستمر-في الغالب- مدى الحياة.
وعلى الرغم من تمكن بعض ممن يعانون منه من الزواج والحفاظ على الوظيفة، فإن البعض الآخر يعجز عن ذلك تمامًا بسبب رفضهم العلاج، فتكون المحصلة سيئة في العموم.
التشخيص
ولفت الدكتور مدحت، أن كثيرا ما يغيب التشخيص الدقيق للحالة؛ لأنه يتطلب توافر أنماط دائمة طويلة الأمد من السلوك، ولما كان تغير الشخصية في المراهقة أمر طبيعي للنضج، لذلك فإن التشخيص لا يتم قبل مرحلة البلوغ في العادة.
ويتوجب وجود الأعراض لمدة سنة واحدة على الأقل، فيما لو تطلب الأمر تشخيصًا مبكرًا.
علاج جنون الارتياب
وأوضح، أنه ترتكز خطة العلاج لاضطراب الشخصية الارتيابية، على العلاج النفسي طويل الأمد بواسطة المعالج النفسي المتمرس في هذا النوع من الاضطرابات، وأحيانًا تندرج العقاقير ضمن الخطة لمواجهة بعض الأعراض المعضلة والموهنة للعزيمة.
إلا أن نسبة نجاح الخطة العلاجية منخفضة بسبب صعوبة التحديات القائمة؛ فالثقة أمر حيوي في العلاج النفسي، والمصاب بهذا الاضطراب يتصف أساسًا بفقدان الثقة مع الآخرين، فلا يثق في الطبيب ولا المعالج النفسي.
ولذلك لا يتبع الكثير من المصابين الخطة المرسومة؛ مما ينعكس بالضرورة على تأثير العلاج.
وتشتد حدة الاضطراب في فترة الأربعينات والخمسينات من العمر؛ حيث يعاني الكثير من المصابين به الحدود القصوى من بعض الأعراض.
عند هذا التقاطع الأخير، ومع التسليم بحقيقة استحالة منع ظهور الاضطراب؛ فإنه من الأمور الحسنة أن العلاج يمنح أحيانًا فرصة للشخص من ذوي القابلية للإصابة به، من أجل تعلم وسائل فعالة للتعامل مع الوقائع.
إلا أن الخبر السار، هو أنه - كمعظم اضطرابات الشخصية - تنخفض حدته مع التقدم في العمر.