فخ الجواسيس.. كواليس الحرب السرية بين أمريكا والصين.. و600 مليار دولار سنويا التكلفة
حرب سرية تدور رحاها بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية منذ سنوات طويلة؛ فالتنافس الحاد بين القوتين العظميين والصراع على النفوذ أصبح المسيطر على سياسات الدولتين، وباتت الاستخبارات هي العالم الخفي للمعركة بينهما، خاصة مع تصاعد المواجهات السياسية والخلاف المستمر بين الطرفين في عدد من الملفات والقضايا الشائكة.
وقد أدت حرب التجسس إلى تصاعد التوترات من جديد بين بكين وواشنطن بشكل كبير للغاية، بعد أن اتهمت الولايات المتحدة الأمريكية 4 ضباط مخابرات صينيين بالتجسس علي معارضين وحقوقيين ونشطاء يقيمون علي أراضيها.
وكر الجواسيس
وبحسب عريضة الاتهام التي نشرتها وزارة العدل الأمريكية فإن وانجشوجون من كوينز في نيويورك استغل وضعه داخل مجتمعات المغتربين الصينيين والمعارضين والمنشقين لجمع معلومات عن أنشطتهم لحساب وزارة أمن الدولة الصينية، وذلك قبل اعتقاله، كما أشارت إلي أن مسؤولي وزارة أمن الدولة الصينية المتهمين الأربعة لا يزالون هاربين بعد أن وجهوا وانج ليستهدف نشطاء موالين للديمقراطية من هونج كونج ومدافعين عن قضايا سياسية محل خلاف مع واشنطن.
وردًا على تلك الاتهامات قالت السفارة الصينية في واشنطن أن كل تلك الادعاءات المزعومة التي وجهتها الولايات المتحدة ماهي إلا محض افتراء، ونبحث مع الجانب الأمريكي إجراء تحقيق عادل وقانوني للتعامل مع القضايا ذات الصلة بشكل مناسب لحماية الحقوق القانونية للمواطنين الصينيين المعنيين بالأمر.
ومع تزايد القلق الدولي بشأن التداعيات المحتملة للأزمات الواقعة وخاصة المتعلقة بحروب التجسس بين واشنطن وبكين سلطت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية الضوء على تعليقات إميل أمين الكاتب والباحث السياسي والمهتم بالعلاقات الأمريكية الصينية، والذي أشار إلى أن شباب الباحثين الصينيين في الداخل الأمريكي يمثلون طليعة القراصنة المكلفين بالحصول على المعلومات والبيانات، وسرقة الأبحاث العلمية من المعاهد والجامعات والمختبرات العامة التي يعملون فيها وكيف دفع ذلك الأمر واشنطن في يوليو 2020 لإغلاق القنصلية الصينية في هيوستن كونها بؤرة للتجسس وسرقة الملكية الفكرية.
كما سلطت الصحيفة الضوء على ما أكدته وزارة العدل الأمريكية حول تعمد الجيش الصيني دس عملائه داخل مؤسسات أمريكية رفيعة المستوى؛ فسبق أن وجهت اتهامات سابقة لـ4 باحثين صينيين يدرسون في الولايات المتحدة على صلة بالجيش الأحمر، مشيرة إلى هروب أحدهم وطلب اللجوء في القنصلية الصينية في مدينة سان فرانسيسكو، قبل أن يتم الكشف بأنهم جزء من جهود بكين للتغلغل في المؤسسات الأمريكية، أملًا في الحصول على معلومات علمية وتكنولوجية.
ليس ذلك فحسب بل سبق وأن اتهمت الدوائر الاستخبارية الأمريكية الصين بالسعي لقرصنة أبحاث بشأن لقاحات محتملة لفيروس كورونا، وأشارت إلى أن الصين تجتاح أمريكا اجتياحًا غير مسبوق في عالم التجسس الاعتيادي، فسبق وأن أكد كريستوفر راي، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي أن هناك أكثر من ألفي تحقيق مفتوح في عمليات تجسس صينية ضد الداخل الأمريكي، وأن حكومة الصين الشيوعية أضحت تمثل أكبر تهديد للبلاد، مؤكدًا زيادة عدد التحقيقات في محاولات التجسس الصيني خلال العقد الأخير بنسبة تتخطى الـ130 في المئة.
تكلفة التجسس
من جهتها، قالت الدكتورة نادية حلمي، الخبيرة في الشئون السياسية الصينية والآسيوية وأستاذ مساعد العلوم السياسية جامعة بنى سويف: إن حدة الاتهامات الأمريكية للصين تزايدت في الآونة الأخيرة نظرا لاستخدام الصين لشبكات تجسس واسعة تقف وراءها الاستخبارات الصينية للوصول إلى معلومات عن الملكيات الفكرية الخاصة باختراعات أمريكية. مع التأكيد الأمريكي بأن التجسس الصيني يكلف الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من ٦٠٠ مليار دولار سنويًا من الملكية الفكرية المسروقة.
ومن هنا، ستجد تعاونا كاملا ومشاركة للمعلومات بين الطلاب والدارسين والأكاديميين بل وحتى المواطنين الصينيين من المقيمين في الولايات المتحدة الأمريكية وكافة ولاياتها المختلفة مع "وزارة الأمن القومي الصينية"، وكل المؤسسات الرسمية والقومية للدولة الصينية، والتعاون مع الوكالات الأمنية الصينية، والتي تستهدف بشكل كامل الالتقاء بشكل دوري بالمبتعثين الصينيين في الخارج.
وأضافت: أكثر ما يخيف أمريكا تجاه عمليات التجسس لصالح الصين هو إشراك السلطات الصينية لكافة مواطنيها في عملياتها الاستخباراتية، خاصةً تجاه واشنطن. حيث تتبنى السلطات الصينية نهج فريد من نوعه عالميًا، هو "كل مواطن صيني يعادل أو يساوى حكومة بأكملها ودولة بأكملها" في كل ما يتعلق أو يمس الأمن القومي الصيني مباشرةً.
وهذا الأمر يعد إلزاميًّا فى الصين بموجب "قانون الأمن القومي الصيني"، بالتعاون مع جيش التحرير الشعبي، لذا ستجد استهداف وكالات الأمن الصيني لتلقى استفسارات وتوجيه الأسئلة والإرشادات من كافة الطلاب الصينيين الدارسين في مختلف الجامعات الأمريكية للحصول على معلومات تمس تخصصاتهم المباشرة لصالح وطنهم في الصين، كما تزايدت حدة مطالبات عدة نواب في الكونجرس بمنع منح تأشيرات للطلاب الصينيين للدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية، بل والمطالبة بطردهم، خاصةً من الدارسين في القطاعات التكنولوجية والعلمية الدقيقة، لاتهامهم باستغلال ومشاركة معلوماتهم في مجال تخصصاتهم العلمية والأكاديمية لصالح الاستخبارات الصينية.
المؤسسات البحثية الأمريكية
ويبقى التخوف الأمريكي المستمر من كافة الطلاب والدارسين الصينيين داخل المؤسسات الأكاديمية والبحثية الأمريكية. فضلًا عن تزايد الاتهامات الأمريكية للسلطات في الصين باستخدام طلابها وباحثيها للإضرار بالأمن القومي الأمريكي، وإجبار الدولة الصينية لمبعوثيها بمشاركة أبحاثهم ومعلوماتهم وتخصصاتهم، خاصةً للباحثين والأكاديميين فى القطاعات والتخصصات العلمية الدقيقة والتكنولوجية، وبسبب تزايد تلك الاتهامات الأمريكية للصين، ارتفعت حدة القضايا المنظورة أمام مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي بشأن قضايا التجسس الصينية، لدرجة أن التقارير الاستخباراتية الأمريكية تؤكد وجود قضية نشطة مرتبطة بتجسس صيني جديد على أهداف أمريكية كل ١٠ ساعات. ويوجد حاليًا نحو ألفين قضية نشطة، ومعظم تلك القضايا مرتبطة في الأساس بأنشطة تجسس اقتصادية فى مواجهة الصين، والتي تؤكد التحقيقات الفيدرالية الأمريكية وفقًا لبياناتهم الرسمية الصادرة باستمرار، تزايد حدتها بنسبة كبيرة.
وتصنف وكالة الاستخبارات الأمريكية (وزارة أمن الدولة الصينية) باعتبارها المسئولة في المقام الأول عن كافة العمليات الاستخباراتية الصينية، كما يتولى الجيش الصيني مسئولية التجسس تجاه واشنطن فى النواحي العسكرية، وأنشطة التجسس السيبرانية المتبادلة بين الجانبين.
وتتعدد العمليات الاستخباراتية الصينية فى مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية على كافة المستويات والقطاعات الصناعية والاقتصادية والتكنولوجية، وأبرز الجهات الصينية التي تتهمها الولايات المتحدة الأمريكية بالتجسس ضد واشنطن، هى:الشركات الصينية المملوكة للدولة، شركات الأفراد الخاصة برجال الأعمال المقربين للنظام، مراكز الأبحاث الصينية، خاصةً التي تجذب الأمريكان والباحثين الأجانب، المنظمات غير الحكومية، الأكاديميين والباحثين والطلاب الصينيين من الدارسين حول العالم، بالإضافة إلى العاملين الصينيين في قطاع التكنولوجيا وأمن الوطن.
ومن جانبه قال الدكتور مهدي عفيفي، المحلل السياسي وعضو الحزب الديمقراطي الأمريكي: تعتبر حرب التجسس بين أمريكا والصين من أهم وأخطر الحروب لأنها متعددة الأطراف وترجع هذه الحرب لأكثر من ثلاثين عاما خاصة أن الصين دائما كانت تستخدم أدواتها وكذلك طلابها الدارسين في الجامعات الأمريكية للتجسس واستقطاب المعلومات التكنولوجية إلي الصين بدون مقابل فمن المعروف أن الملكية الفكرية من أهم الاشياء التي تحافظ عليها أمريكا.
حرب الجواسيس
وتابع: من المتعارف عليه أن الحرب التجسسية تكون بشكل المعلومات الاستخباراتية ولكن معظم المشاكل بين الطرفين كانت علي الحقوق الفكرية وسرقة معلومات وشركات وخاصة مصممي الأسلحة والتكنولوجيا، ومن أهم الأحداث التي حدثت خلال العشر سنوات الماضية هي القبض علي رئيسة شركة هواوي الخاصة بأمريكا الشمالية، والتي كانت تعمل علي بيع أجهزة تكنولوجيا نقل معلومات لأمريكا وهي اجهزة خاصة بشبكات الجيل الخامسg5 في كندا والولايات المتحدة والتي كانت من المفروض أن تغطي أجزاء كثيرة من البنية التحتية لهذه الشركة.
وعلى غرار ذلك تم منع أجهزة هواوي الصينية من الاستقدام والتعامل بها في أمريكا، وسبق أن تحدث ترامب عن هذا الموضوع وأحدث ضجة شديدة، بعد اكتشاف برامج تجسسية بداخلها تنقل معلومات للصين لذا صدر قرار أمريكي صارم بعدم استخدامها، وأضاف: كل حين وآخر يتم القبض علي طلبة صينيين أو أمريكيين من أصول صينية في أماكن حساسة يقومون بنقل المعلومات والتكنولوجيا للصين.
وفي نفس الوقت كانت الصين تقبض علي بعض الأمريكيين مقابل مواطنيها ليتم نوع من التبادل فدائما هناك حرب شبة باردة لأن الصراع علي الفوز بالمعلومات عن بلد أو بلد آخر، فهذه الحرب معظم معلوماتها كانت خاصة بالأسلحة والتكنولوجيا المعلوماتية ولكن بعض منها كان معلومات استخباراتية وفكرية مسروقة من الشركات الأمريكية، لذا هناك سجال دائم ومستمر بين الطرفين، وتعتبر هذه المسألة من المسائل المعروفة فهناك صراع حقيقي لدي كلا الطرفين.
وخاصة أن الشركات الأمريكية العملاقة تشكو دائما من اختراق الصين وفي نفس الوقت تتهم الصين بكثير من الأحوال بالتجسس علي قادتها ومواقعها، ولكن لا تصل الخلافات إلى حد التفجير نظرا للعلاقات الاقتصادية بين الطرفين، وذلك نظرا لأن الإنتاج الصيني المميز يستخدم بنسبة تتخطي ال35% لذا فإن الخلافات محدودة نظرا لأن الصين لاتستطيع أن تصرف هذا الانتاج لأي سوق آخر غير أمريكا والكثير من الشركات الأمريكية العملاقة لها مصانع وفروع ومراكز في الصين واستمرار هذا الصراع سيكون علي مدي طويل لكن الفارق هو نوع المعلومات التي يتم الاستحواذ عليها.
نقلًا عن العدد الورقي…