الدكتور محمد الجندي يكشف إسهامات الشيخ شلتوت في تجديد الخطاب الديني
أثيرت مؤخرا قضية تجديد الخطاب الديني، حيث ألقى البعض اللوم على الأزهر الشريف لعدم مبادرته لتحمل مسئولية هذه القضية، وترك غير المتخصصين لطرح أرائهم دون علم ودراية بأمور الدين الأمر الذي أثار جدلا واسعا داخل المجتمع المصري.
لكن الدكتور محمد عبد الدايم الجندي، وكيل كلية الدعوة الإسلامية بالقاهرة للدراسات العليا والبحوث، كان له رأي مغاير، وأكد أن الأزهر حمل على كاهله مسؤولية التجديد منذ تأسيسه، حيث أخذ الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر وأول من حمل لقب “الإمام الأكبر” معارج التجديد في عصر مني بالتحديات الجسام مسلحا بالعلم والتناغم الحياتي والعلمي تحت قبة الأزهر الشريف، يقول الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ التوبة: 122.
وأضاف “الجندي”، أن الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت كان من هؤلاء الذين تفقهوا في الدين ليحرضوا المؤمنين على ما ينفع فى الآخرة ودرجاتها العلية، ويكشفوا عن صلاحية تنفيذ مضامين الشريعة إثباتا لصلاحيتها للهيمنة على تجديد يتناغم مع نصوصها بأنوارها السنية، ويلتقطوا من موائد فوائد التأدب بالآداب النبوية، بعيدا عن كل تجديد يصطدم مع ثابت النص الشرعي وراسخ الوحي الإلهي.
وأوضح أن الشيخ شلتوت أقام تصوره التجديدي من واقع الشريعة العراء ومعالجة قضايا العصر في ضوئها، وكان ينطلق فى الفتوى من المقاصد العامة للشرع الحنيف، مبينا أن الشرع الحنيف نفسه يحمل التوجيهات المنضبطةللتطور والتجديد.
وتابع: شهد عصر فضيلة الإمام إصلاحا وتجديدا أحدث نقلة نوعية فى كافة المجالات، إلى أن صدر القرار الجمهورى بتطوير الأزهر فى عهده، كما اقترن اسمه بالدعوة إلى التقريب بين المذاهب الإسلامية، ونبذ التطرف والانحراف عن مضمون النص بإفراط أو تفريط.
وكان الاجتهاد والتجديد سمتين مميزتين ومعلمين بارزين فى شخصية الإمام طيب الله ثراه، بالإضافة إلى كونه صاحب الأسلوب المتميز فى التفسير، وعرض آيات القرآن الكريم بطريقة موضوعية ساهمت فى إبراز لون جديد من ألوان التفسير مكنون في مضامين الآيات لا يلتقط درره إلا أهل الفتح والمنح، وهو التفسير الموضوعى الذى يعتمد على جمع الآيات التى تشترك فى موضوع واحد، ودراستها دراسة موضوعية، وفقا للمنهج الموضوعى فى التفسير، بقطع النظر عن الترتيب المصحفى حتى نخرج بموضوع شامل متكامل من خلال القرآن نفسه.
وأوضح وكيل كلية الدعوة الإسلامية أن الشيخ شلتوت (رحمه الله) عني فى تفسيره بإبراز الوحدة الموضوعية، والمحور الرئيسى الذى تدور حوله آيات كل سورة، وقد حمل تفسيره للقرآن الكريم إضاءات ذات معانٍ ودلائل متصلة بعصرنا الحاضر، بالإضافة إلى توجيهات وإشارات علمية وتربوية وفلسفية واجتماعية بأسلوب واضح لا يستغلق على الأفهام.
وأشار إلى أن الشيخ شلتوت أضاف في مجال التجديد الكثير والكثير، ومن ذلك ما سطره في بحثه الذي قدمه في مؤتمر "لاهاي" للقانون الدولي المقارن سنة 1937م، وكان تحت عنوان "المسئولية المدنية والجنائية في الشريعة الإسلامية" ونال البحث استحسان أعضاء المؤتمر، فأقروا صلاحية الشريعة الإسلامية لصياغة رؤية تجديدية تتناغم مع تطور الحياة، واعتبروها آنذاك في ثلاثينيات القرن العشرين، وفي عز وجود الاستعمار في مصر وفي شتى أرجاء العالم العربي والإسلامي، مصدرًا من مصادر التشريع الحديث، وأنها أصيلة وليست مقتبسة من غيرها من الشرائع الوضعية، ونال بهذا البحث المتفرد، عضوية جماعة كبار العلماء. كما ينسب للشيخ شلتوت أفكاره التنويرية، وكان أول من نادى بتشكيل مكتب علمى للرد على مفتريات أعداء الإسلام، وكانت هذه الدعوة مقدمة لإنشاء مجمع البحوث الإسلامية.
وواصل الدكتور “الجندي” حديثه على الشيخ شلتوت ودوره في ملف تجديد الخطا الديني قائلا:" في سنة 1958م، وبعدما صدر قرار تعيينه شيخًا للأزهر الشريف، سعى الشيخ شلتوت جاهدًا للتقريب بين المذاهب الإسلامية، وزار الكثير من بلدان العالم الإسلامي، وقد كان مؤمنا أشد الإيمان بضرورة القضاء على الخلاف بين المذاهب الإسلامية، ويعتبر أول من أدخل دراسة المذاهب في الأزهر الشريف، فقد كان مع توحيد المسلمين ولم شملهم، وصدر قبل وفاته قانون إصلاح الأزهر الشريف سنة 1961م. كما دخلت في عهده العلوم الحديثة إلى الأزهر، ولم تعد الدراسة في الأزهر الشريف، من وقتها مقتصرة على العلوم الدينية فقط وأنشئت العديد من الكليات، وارتفعت مكانة شيخ الأزهر، ومكانته كعالم بارز من علماء الدين الإسلامي في مختلف البقاع".
ولفت إلى أن الشيخ محمود شلتوت أهتم بإصلاح الأزهر الشريف وتطويره من خلال ما يلي:
إنشاء تخصصات جديدة لم تكن متاحة لأبناء الأزهر قبل ذلك.
إنشاء معاهد نموذجية تجمع بين التعليم الأزهرى والعام. وفتح معاهد القراءات. وفتح معهد البعوث الإسلامية. وفتح معهد الإعداد والتوجيه الذى يؤهل الطلاب غير العرب للدراسة باللغة العربية، كما يدرس فيه الطلاب المتخرجون فى الأزهر والذين أجادوا اللغات ــ بعد مسابقة تعقد لهم ــ والمتخرجون منه يوفدون فى بعثات علمية أو فى بعثات إلى البلاد الإسلامية التى لا تتكلم اللغة العربية. وإدخال الكليات العملية إلى جامعة الأزهر وزيادة البعثات الأزهرية للدول الأوربية. وزيادة بعثات الأزهر للدعوة إلى الإسلام والوعظ والإرشاد. وتدريس اللغات الأجنبية فى الأزهر. وافتتاح معاهد الفتيات لأول مرة فى تاريخ الأزهر فصدر فى ٩ يناير ١٩٦٢ أول قرار بإنشاء معهد أزهرى للفتيات ــ وهو معهد فتيات المعادى. وإنشاء مجمع البحوث الإسلامية. وإقامة مدينة البعوث الإسلامية لتستقبل الطلاب الوافدين من جميع أنحاء العالم. والعمل على الحفاظ على كرامة الأزهر ومكانة مشيخته. وتنظيم جامعة الأزهر بما يحقق أهدافها ورسالتها، فى التواصل مع الدول الإسلامية. وإدخال اللغات الأجنبية؛ حتى يستطيع خريجوا الجامعة القيام برسالتهم فى جميع أنحاء العالم على الوجه الأكمل. وتطوير مناهج الكليات الشرعية. وقيام الأزهر فى عهده بنشر التثقيف وغرس القيم الإسلامية الصحيحة من خلال نشاط بارز فى المراسم الثقافية التى كانت تقام فى قاعة الإمام محمد عبده بجامعة الأزهر وكان يشارك فيها كبار رجال الفكر والاجتماع فى العالم العربى والإسلامى.
واستطرد:" للشيخ محمود شلتوت العديد من المؤلفات المهمة، منها: فقه القرآن والسنة، ومقارنة المذاهب، والقرآن والقتال، ويسألونك، وهى مجموعة فتاوى، ومنهج القرآن فى بناء المجتمع، ورسالة المسئولية المدنية والجنائية فى الشريعة الإسلامية، والقرآن والمرأة، وتنظيم العلاقات الدولية الإسلامية، والإسلام والوجود الدولى للمسلمين، وتنظيم الأسرة، ورسالة الأزهر، وإلى القرآن الكريم، والإسلام عقيدة وشريعة، ومن توجيهات الإسلام، والفتاوى، وتفسير القرآن الكريم الأجزاء العشرة الأولى.
وأوضح أن الشيخ " شلتوت " بالإضافة إلى كونه مجددا كان زاهدا يدعو إلى الله على بصيرة، فكان له من العمق الروحي ما استفاض به حديث الكبير والصغير، والعام والخاص، إنه بلغ فى التربية الروحية مبلغًا عظيمًا لا يبارى، وسما فى مجال الدعوة إلى الله تعالى حتى عانق القلوب بدعوته، واستنبه الهمم لهمته.
وُلِد الشيخ محمود شلتوت بقرية منية بنى منصور بمركز إيتاى البارود بمحافظة البحيرة فى ٢٣ أبريل ١٨٩٣. وقد حفظ القرآن الكريم وهو في نعومة أظفاره بمعهد الإسكندرية الأزهرى عام ١٩٠٦م، وتعمق بشغف في دراسة عمودية لعلوم الأزهر الشريف، وفي مقدمتها التفسير، والحديث، والتوحيد، والتصوف، والفقه، وأصول الفقه، وعلم الكلام، والنحو، والصرف، والعروض، والمعانى والبيان، والبديع والأدب، والتاريخ، والسيرة النبوية، ثم حصل على شهادة العالمية الأزهرية سنة ١٩١٨، ثم نقله فضيلة الإمام الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغى فى ٢٢ مايو ١٩٢٨ إلى القسم العالى بالأزهر، ثم أسند إليه تدريس الفقه في أقسام التخصص،وهي رتبة علمية عالية لا يصل إليها إلا المتفردون في الأزهر الشريف، ثمّ عضوًا ضمن كبار العلماء.
سلك سبيل الإصلاح ونشر رؤيته في الصحف اليومية والمجلات، وثم عين مدرسًا بكلية الشريعة، وعينه الشيخ المراغى وكيلًا للكلية فى أبريل سنة ١٩٣٧. وفى سبتمبر ١٩٣٨وكان الشيخ شلتوت قد ألقى فى سنة ١٩٤٢ محاضرته الإصلاحية فى السياسة التوجيهية التعليمية بالأزهر وكان لها تأثير كبير فى الأوساط العلمية.
وفى سنة ١٩٤٦ صدر قرار بتعيين الشيخ محمود شلتوت عضوًا بمجمع اللغة العربية، كما انتدبته جامعة فؤاد الأول (القاهرة) فى سنة ١٩٥٠ لتدريس فقه القرآن والسنة لطلبة دبلوم الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق، كما عين فى نفس العام ١٩٥٠مراقبًا عامًا لمراقبة البحوث والثقافة الإسلامية بالأزهر، وعضوًا فى اللجنة العليا للعلاقات الثقافية الخارجية بوزارة التربية والتعليم وعضوًا فى المجلس الأعلى للإذاعة، وكان أول من ألقى حديثًا دينيًا فى صبيحة افتتاح إذاعة القاهرة ورئيسًا للجنة العادات والتقاليد بوزارة الشؤون الاجتماعية وعضوًا فى اللجنة العليا لمعونة الشتاء وعضوًا فى لجنة الفتوى بالأزهر ومستشارًا لمنظمة المؤتمر الإسلامى سنة ١٩٥٧ ووكيلًا للأزهر والمعاهد الدينية فى ٩ نوفمبر ١٩٥٧ وعضوا فى مجمع البحوث الإسلامية فى ٣١ يناير ١٩٦٢. ثم شيخًا للأزهر.
وفي سنة 1958م، وبعدما صدر قرار تعيينه شيخًا للأزهر الشريف، سعى الشيخ شلتوت جاهدًا للتقريب بين المذاهب الإسلامية، وزار الكثير من بلدان العالم الإسلامي،
وانتقل الشيخ شلتوت إلى رحمة ربه مساء ليلة الجمعة (ليلة الإسراء والمعراج) وأدَّى المصلون عليه صلاة الجنازة بالجامع الأزهر في السابع والعشرين من شهر رجِب سنة 1383 هـ الموافق 13 من ديسمبر سنة 1963 م.