صرخ سمير صبري: هتكرهوا إسرائيل أكتر مني!
صدرت إذن جريدة الأحرار يوميا في إبريل ١٩٩٤ برئاسة تحرير الكاتب الكبير مصطفي بكري.. كنا فريقا من الشباب خليطا ممن أنهوا علي الفور خدمتهم العسكرية أو تخرجوا حديثا أو حتي طلبة في الجامعة.. استقبلنا بشكل رائع جيل سبقنا لبضع سنوات للعمل الصحفي -منهم العزيز عصام كامل رئيس تحرير فيتو الآن- أصدروا الأحرار إسبوعيا مع رئيس تحريرها الراحل وحيد غازي!
حققت الجريدة - بفضل همة الشباب من جيلين- نجاحات هائلة وارتفع توزيعها بشكل غير مسبوق كجريدة يومية ذات إمكانيات محدودة لا يقف خلفها لا رجال أعمال ولا مؤسسات اقتصادية.. كان يندر أن يقع أي حادث أو حدث إلا وكتيبة الأحرار هناك!
مر عام علي الإصدار اليومي.. واقترح البعض أن نحتفل بالمناسبة.. وتولي البعض الآخر من قسم الفن تقديم اقتراحات بمن سيحيون المناسبة ووقع الاختيار علي الفنانين الكبيرين محمد رشدي وسمير صبري وقد وافقا علي الفور أن يحييا الحفل متطوعين وبلا أي مقابل وتم اختيار نادي الصحفيين النهري، وكان قد انتهي الكاتب الكبير محمود السعدني ومعه كوكبة من الصحفيين من تأسيسه علي نيل الجيزة العظيم!
علي طريقته انطلق الفنان سمير صبري في الغناء.. والتعليق من حين لآخر ببعض الملاحظات الطريفة.. وأشاع بالفعل جوا من البهجة علي الاحتفال الذي اقتصر علي صحفيي الجريدة وعدد من الزملاء الصحفيين بالصحف الأخري ومن تواجدوا بالنادي وقتئذ.. وانفعل سمير صبري مع الغناء حتي أمسك بإحدي أدوات الإيقاع غير الطبلة وأكبر من الرق العادي.. وراح مبتهجا وكأنه في زفة عروسة يتفاعل بصدق مع الاحتفال..
أخلاق سمير صبري
وفجأة وجدنا زميلنا شقيق الطاهر -الصحفي المتميز- يقترب منه بشكل ملفت، وينظر إلي الرق ويشير بإشارة سلبية يتوقف عندها سمير صبري عن الغناء، ويطلب من شقيق الطاهر تفسير كلامه وإشاراته!
قال الطاهر: إن هذا المرسوم علي الرق نجمة داوود! وهذا يعتبر علم إسرائيل!
كان شقيق الطاهر مثلنا جميعا بحماس الشباب وقتها يحارب ويواجه أى محاولات أو إشارات أو علامات للتطبيع.. وكان وكنا ولم نزل لا نصف إسرائيل إلا بوصف العد و أو بالكيان الصهيوني، ولكن فجأة تكهرب الجو.. وتحول الفنان الضاحك المبتهج إلي شخص آخر غير الذي رأيناه ونعرفه.. راح أولا يشرح أن الرسم لنجمة ثمانية وليست سداسية.. وأن الأمر اختلط علي زميلنا العزيز ليس أكثر..
ثم بعد أن انتهي من ذلك قال: هو انتو هتكرهوا إسرائيل أكتر مني؟ انتوا لسه طالعين للدنيا تعالوا أحكيلكم عن جيلنا.. مافيش بيت في أهلي إلا وفيه شهيد أو أكثر.. أنا أعمل كده أنا؟ تطبيع إيه وبتاع إيه! ووسط هذا الجو الذي بلغت سخونته حد الانفجار.. ألقي كلامه الرائع حبل إنقاذ الموقف.. التقطناه علي الفور.. أحطناه جميعا لتهدئته ولتطييب خاطره بل وتحيته علي كلامه الذي لا يتفق فقط مع توجه الجريدة والقائمين عليها ومحرريها بل ومع موقف شعبنا كله!
وانتهي الموقف بسلام.. لكن لم تعد له -وقد رأي الاتهام شنيعا- حيويته ولا حماسه حتي نهاية الحفل.. لكن دون أي سلوك أو إشارة تعلن ذلك صراحة فقد أنهي الاحتفال بكامل شياكته وذوقه!
رحم الله سمير صبري فلم نره -المصريين والعرب- إلا في الخير.. يزور مرضي أو يقدم واجب المواساة في الأحزان أو يشاطر زملاءه نجاحاتهم وأفراحهم أو يدعم من يحتاج للدعم! ومنذ صباح أمس بعد نبأ رحيله لم يتوقف كلام الكثيرين عن الخير الذي كان يفعله سرا خصوصا مع الفقراء والمحتاجين!
ليت الجميع يتعلم أنه لم ولا ولن تبقي إلا السيرة الحسنة.. ومنها الثبات علي المبادئ.. وليت من يتحدثون عن سمير صبري اليوم الاقتداء به.. ثقافة وعلما وخلقا وتواضعا وبحثا وجهدا واجتهادا.. في كل اتجاه، وهو من وضعته موهبته في مكانته الرفيعة في الفن وساقته الصدفة للإعلام مقدما للبرامج بكافة تنويعاتها وبنجاح وحضور لا مثيل لهما!
رحم الله سمير صبري..