على جمعة: صاحب النفس الأمارة بالسوء يرتكب المعاصي حتى لا يكتئب
قال الدكتور علي جمعة، المفتي السابق للجمهورية، إن تصرفات النفس الأمارة بالسوء تنشأ من غرائزه وشهواته الجنسية، وحتى لا يكتئب فإن عليه أن يرتكب ما أسماه الله بالمعاصي. أما النفس الراضية فقد حبسوا أنفسهم عن الشهوات، وساروا في طريق الله إلى المثال المبتغى الذي سمعناه.
النفس الأمارة بالسوء
وأضاف أن المؤمن يسير وهو يتذكر رسالته في الأرض وأنه مكلف، والكافر لا يؤمن بإله ولا يؤمن بقضية فلا يرى إلا نفسه، يسير المؤمن هونًا في الأرض في قلبه تواضع، ولكن الكافر امتلأ كِبرًا وعُجبًا بنفسه حتى ضل الطريق، ويسير على الأرض وهو يعلم أنه صاحب رسالة، يسير على الأرض وهو يذكر الله ويذكر أنه ما خُلق في هذه الأرض إلا للعبادة والعمارة.
وكتب علي جمعة تدوينة على الفيس بوك "قالوا في النفس البشرية ونظَّروا.. وجعلوا لها عِلمًا يدرسها على أساس المادة فقط.. لا علاقة له بوحي الله سبحانه وتعالى، ولا علاقة له بأخلاقٍ من ميراث النبوة، ولا علاقة له بالإنسان الذي جعله الله خليفةً له في الأرض (وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) نسوا هذا كله؛ والتفتوا من (الإنسان) إلى المادة.. قطعة اللحم التي أمامهم.."
وقال "إلى النفس الأمارة بالسوء (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّى) [يوسف:53] نظروا إلى هذه النفس الأمارة بالسوء... وكفى! ولكنِ المسلمون ينظرون نظرة أخرى ليست كنظرة هؤلاء."
حدود النفس الأمارة بالسوء
وأضاف علي جمعة "لقد بنوا الخطاب مع الإنسان من خلال نفسه الأمارة بالسوء، حتى قال فرويد: إن كل تصرفات (الإنسان) تنشأ من غريزته الجنسية! نعم النفس الأمارة بالسوء فيها هذا الجانب، ولكن... مَن الذي قال أن (الإنسان) ينبغي أن يُسلم نفسه لهذا..! لشهواته وشهوات قلبه وكبره وغرائزه يفعل فيها ما يشاء، وحتى لا يكتئب فإن عليه أن يرتكب ما أسماه ربنا بالمعاصي، وأن يتعدى حدود الله لأنه لا يرى في الكون إلا نفسه؟!"
وتابع علي جمعة قائلًا: "نعم كل هذا الكلام صدق في حدود النفس الأمارة بالسوء، ولكن ربنا سبحانه وتعالى أرادنا أن نخرج عن إتباع هذه الشهوات وألا نميل ميلًا عظيما؛ فرسم لنا نفسًا أخرى: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي) [الفجر:27-30]."
وقال جمعة "النفس الراضية المرضية التي يتبلور بها الرضا عن ربها، وعما أقامها فيه من خير وعما أقامها فيه من وظيفة ليصل بها إلى الاطمئنان- رضيت عن الله فاطمأنت.. فما صفات هذه النفس؟"
وأضاف "انظر قوله تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ) [الفرقان:63] وليس عباد الشيطان، وليس الذي اتخذ إلهه هواه (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًا وَمُقَامًا * وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا * وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا * وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا * وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا * وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًا وَعُمْيَانًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا * أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا)."
حدود النفس المطمئنة
وعن عباد الرحمن قال: "حبسوا أنفسهم عن الشهوات.. ساروا في طريق الله إلى المثال المبتغى الذي سمعناه الآن (صَبَرُوا ) (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًا وَمُقَامًا * قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّى لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا ).
وأضاف "هذه هي النفس المطمئنة التي تستحق أن تكون عابدة للرحمن.. هذه هي النفس المطمئنة التي إذا سارت في الأرض تعلم أن هذه الأرض من أجساد الناس عبر العصور؛ فالموت حقيقة؛ والله سبحانه وتعالى خلق الموت والحياة ليبتلينا ويمتحننا أيُّنا أحسن عملا.. صاحِ هذي قبورنا تملأ الرَّحْـــ * ـبَ فأين القبـورُ من عهد عـادِ.. خفِّـفْ الوطأ! مـا أرى أديـم الأرْ * ضِ إلا مـن هـذِهِ الأجســـادِ"
وعن المؤمن قال جمعة "يسير المؤمن وهو يتذكر رسالته في الأرض وأنه مكلف، ويسير الكافر لا يؤمن بإله ولا يؤمن بقضية فلا يرى إلا نفسه، يسير المؤمن هونًا في الأرض في قلبه تواضع، ولكن الكافر امتلأ كِبرًا وعُجبًا بنفسه حتى ضل الطريق (وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الجِبَالَ طُولًا * كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِندَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا) [الإسراء:37-38].
وتابع "هذا هو المؤمن يقول فيه رسول الله ﷺ: (لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ) (أخرجه الطبراني) وحبة الخردل حبة خفيفة الوزن؛ حبة الشعير أو القمح تساوي نحو 6000 من حب الخردل؛ حب الخردل هذا وزنه ضئيل، وإذا كان في قلبك هذا المقدار (مثقال حبة خردل من كبر) فإنك لا تدخل الجنة؛ فيظل المؤمن متواضعًا يخاف الكبر والتكبر على أمر الله وعلى خلق الله، ويسير على الأرض وهو يعلم أنه صاحب رسالة، يسير على الأرض وهو يذكر الله ويذكر أنه ما خُلق في هذه الأرض إلا للعبادة والعمارة، وأنه وهو يسير إنما هو رحمة من الله للعالمين؛ فلا يُهلك حرثًا ولا يقتل طفلًا ولا يعتدي على ضعيف، ولا يصدر منه إلا كل ما يتوجه به إلى الله ويأتمر به بأمر الله.."
واختتم حجيثه قائلًا: “هذا هو عبد الرحمن، والنبي ﷺ حتى حينما يذكرنا بتسمية أولادنا يقول: (.. وَأَحَبُّ الأسْمَاءِ إِلَى الله عَبْدُ الله وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ وَهَمَّامٌ، وَأَقْبَحُهَا حَرْبٌ وَمُرَّةَ) (أخرجه أبو داود) يريد المؤمن أن يكون عبدًا لله، وعبدا للرحمن، وأن يحرث في هذه الأرض إيمانه بهمَّة؛ فهذه هي الأسماء التي حتى إذا ما سمينا بها أولادنا تذكرنا القضية”.