علي جمعة: أطالب بالعودة لأصول حياتنا الثقافية للخروج من متاهة "حوار الطرشان"
نبه الدكتور علي جمعة، المفتي السابق للجمهورية، إلى أهمية حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، "مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ"، مطالبًا بالعودة لأصول حياتنا الثقافية، والعودة إليها وتكون بمثابة الدستور أو ميثاق الشرف الثقافي، حتى لا نظل في متاهة ما وصفه ب"حوار الطرشان"، ونسير في حياتنا الثقافية من غير أصول".
العودة لأصول حياتنا الثقافية
وكتب علي جمعة تغريدة على حسابه بالفيس بوك: "ومن العوارض البشرية "الإكراه من الغير سواء أكان أدبيًّا أو ماديًّا" وكل هذه العوارض التي تعتري الإنسان تجعل الأصل أنه لا ينسب لساكت قول..؛ فالناقل قد يقع في شيء من العوارض البشرية، فإذا سكت المنقول عنه لا ينسب له قول ذلك القائل ولابد من التحري، ومن هنا اخترع المسلمون علوم التوثيق فيجانب القرآن وضبطوا المسألة غاية الضبط ليس فقط على مستوى الآية أو الكلمة أو الشكلة، بل على مستوى الأداء الصوتي".
وقال "وفي جانب السنة أبدعوا أكثر من عشرين علما لضبط الرواية، والنبي صلى الله عليه وسلم يحذر من هذا فيقول: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» [متفق عليه]، وفي جانب العلوم المختلفة أوجدوا أسانيد الدفاتر أي الكتب في العلوم جميعًا، ونراهم في جانب القضاء يؤكدون على العدالة والضبط في الشاهد، فليس كل أحد تقبل شهادته، بل لابد من حالة نأمن فيها تقليل العوارض البشرية وضبط النقل متمثلا بالحديث النبوي الشريف فعن ابن عباس قال: سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهادة. قال: «هل ترى الشمس»؟ قال: نعم. قال: «على مثلها فاشهد» [البيهقي في الشعب].
نقل الزور
وأضاف "أما إذا لم يكن قد صدر عنه القول أو الفعل أصلا فهو أشد من الحالة الأولى، ولا يكلف قطعا برد كل بهتان عليه ويذكر الإمام السخاوي في الضوء اللامع أبياتا عن شيخه يلخص فيها تلك الحالة: كـم من لئيم مشى بالزور ينقله.. لا يتقي الله لا يخشى من العـار، يـــود لـو أنـه للمـرء يهلكه.. ولـم ينله سـوى إثـم وأوزار، فـإن سمعـت كـلامًا فيك جاوزه، وخـل قائله في غيه ساري، فما تبالي السما يومًا إذا نبحت.. كل الطلاب وحق الواحد الباري، وقــد وقـعــــت ببيــت نظمـه درر، قد صاغه حاذق في نظمه داري، لـو كـل كلـب عوى ألقمته حجرا.. لأصبح الصخـر مثقالًا بدينارِ"
وتابع على جمعة "وعلى الرغم من تقرر هذه القاعدة في الشرع نقلا وشهادة وقضاء وعلمًا فإن الشرع استثنى منها شأن كل قاعدة ما يستوجب الاستثناء لغرض صحيح آخر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْبِكْر تُسْتَأْمَرُ فَتَسْتَحِي فَتَسْكُتُ. قَالَ: سُكَاتُهَا إِذْنُهَا» [أحمد والبخاري].
السكوت علامة الرضا
وقال "فأيام ما كانت الناس تستحي وكان الحياء خلقا كريمًا كانت البنت تخجل عندما يتقدم لها خاطب؛ فإذا سألها أبوها استحت فقدَّر الشرع هذا الحياء والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «الحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ» [المسند المستخرج على صحيح مسلم، ومسند الشهاب] فاكتفى بصمتها عن إذنها، وهي أيضا إذا كرهته أو رفضته لا تخجل من إبداء رأيها والجهر به، ومن هنا جاء في الثقافة الشائعة (السكوت علامة الرضا) وهو علامة قاصرة على البكر التي تستحي فتعميم هذه العلامة ليس بسديد".
واختتم حديثه قائلًا: "هل لنا أن نواصل أصولًا لحياتنا الثقافية نرجع إليها جميعا وتكون بمثابة الدستور أو بمثابة ميثاق الشرف الثقافي أو إننا سنظل هكذا في متاهة حوار الطرشان نسير من غير أصول نسعى في حياتنا الثقافية على غير هدى."