الحرب في أوكرانيا.. مسمار في نعش البيئة
دقت الحرب في أوكرانيا مسمارًا قد يكون الأخير في نعش البيئة على مستوى العالم. الأضرار البيئية أكثر خطورة مما يتوقعه أشد المتشائمين، ليس في منطقة الصراع فحسب، بل في جميع أنحاء العالم. بعد جائحة كوفيد-19، جاءت الحرب الروسية على حين غرة، لتضرب مقدرات العالم في مقتل.. ولتخلف آثارًا مدمرة بشكل مباشر.. من تدمير للمباني والمنشآت، والبنى التحتية، والمرافق الأساسية، وتعطيل الخدمات.
تلوُّث الهواء
تلوُّث الهواء أضعافًا بسبب الغبار والانبعاثات من الذخائر، والمقذوفات، وتلوُّث المياه أو انقطاعها تمامًا بسبب ضرب الشبكات، وما ينجم عن هذا من مشكلات صحية. أما الضغط الذي يشكله ملايين النازحين على البنى التحتية والخدمات في الدول المجاورة، فيتسبب في مشكلات بيئية شتى، خبِرَتْها المنطقة العربية في أكثر من بلد واجه نكبات ومآسٍ.
وترتبط الحرب في أوكرانيا بأزمة المناخ بطرق مختلفة، فأحد أطراف النزاع دولة نفطية يعتمد مستقبلها، على المدى الطويل على تباطؤ خفض الانبعاثات، ويقود اعتماد أوروبا على النفط والغاز الروسي نقاشات ساخنة حول تسريع التحوُّل إلى الطاقة النظيفة.
كما تُعدّ روسيا وأوكرانيا مصدرين رئيسيين لأسواق الحبوب وفي مقمتها القمح والشوفان، والذرة، وأيضًا البيض، والدواجن في العالم، وسوف يتسبب الغزو في صدمة غذائية في عديد من البلدان.
كارثة بيئية
ثمَّة كارثة بيئية مروعة بانتظار أوكرانيا، وخاصة في منطقة الشرق، التي تزدحم بالمنشآت الصناعية، ومعامل التكرير والتعدين والمصانع الكيماوية، ومحطات الطاقة، والمناجم. فخلال ثماني سنوات مضت من الحرب في إقليم دونباس، رصدت اليونيسيف، منظمة الأمم المتحدة للطفولة، أكثر من 450 حالة ضرر لحقت بالبنية التحتية للمياه في دونباس منذ 2016، تسبب القصف خلال الغزو الحالي في قطع مياه الشرب عن عشرات البلدات.
وخلال سنوات الحرب السابقة، تداعت البنية التحتية لمياه الشرب والصرف الصحي في المنطقة، كما تلوَّثت الأنهار المحلية. فضلا عما تشكله من تهديد مباشر للمدنيين، تلوِّث الذخائر غير المتفجرة في المنطقة الممرات المائية، وتنتج عنها موادُّ كيميائية سامة تنتشر عبر التربة.
كما يؤدي القصف المتكرر والألغام الأرضية، بالإضافة إلى الأحوال الجافة الناتجة عن تغيُّر المناخ، إلى جعل المنطقة أكثر عرضة لحرائق الغابات. وكانت الأمم المتحدة قد أوردت في 2018 أن الصراع في دونباس دمّر الغطاء الأخضر ضمن مساحة من الأراضي لا تقل عن 530 ألف هكتار، بما في ذلك 18 محمية طبيعية، وأن نحو 12 ألف حريق غابات اندلع بالقرب من مناطق القتال.
تشيرنوبيل ثانية
ونقلًا عن وسائل إعلام غربية، تشير ورقة بحثية نُشرت قبل سنتين، إلى المخاطر على المياه الجوفية التي تمثّلها عشرات مناجم الفحم المهجورة في دونباس، التي تعدّ واحدة من أضخم مناطق استخراج الفحم في العالم، وتضمّ 900 منجم فحم نشط وغير نشط. وتحتوي هذه المناجم على مواد مشعّة ومعادن ثقيلة، مثل الزئبق والرصاص والزرنيخ، وهي تمتلئ بشكل طبيعي بالمياه التي يجب ضخّها، وفي حال فيضانها ستلوِّث المياه الجوفية.
وكانت وزارة البيئة الأوكرانية قد حذّرت في سنة 2018 من كارثة تشيرنوبيل ثانية، إذا قام المعارضون بإغراق منجم الفحم في يونكوم الذي يُعدّ أحد مواقع الاختبارات النووية التي أجراها الاتحاد السوفيتي عام 1979. ورغم هذه التحذيرات، فقد تم إيقاف المضخّات في المنجم؛ ما تسبب في نفايات مشعّة منخفضة المستوى جرى طرحها مع مياه الفيضانات.