رئيس التحرير
عصام كامل

«بحر.. حرية.. إجازة اجتماعية».. قطع الطرق يحرم الجامعيين من المصايف.. «التحرير» بديل مؤقت لـ«المصيف».. تامر: الإسكندرية لا تختلف عن القاهرة في مظاهراتها.. نادين: استمرار

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


هذه الملايين التي خرجت خروجاً مدوياً بعد عام كامل من القهر والظلم والهوان والحرمان، لم تحلم يوماً بفيلا وسيارة وعمارة، ولا بهجرة وإقامة وأموال، لكنها رفعت شعاراً بات أقرب إلى المستحيل. «الشعب يريد أن يصيف»! مطالبها تلخصت في ثلاثية كلاسيكية «بحر حرية إجازة اجتماعية».


لكن أي مصيف هذا الذي يداعب تفكير ملايين الخارجين للتو من ظلمة الامتحانات، وعذاب الأبحاث في ظل وضع سياسي بالغ الاضطراب واقتصادي غارق في الانسداد، ناهيك بشوارع وطرق معرضة للإغلاق أو العنف بين لحظة وأخرى؟!.

حتى تلك الأرواح المغامرة المحبة للخطورة والمقبلة على خوض تجارب تتسم بعدم الاستقرار، هناك من الأرواح غير المغامرة التي تضغط على أنفاسها وتكبح رغباتها وتطفئ مطالبها، إما بدافع الحب الأبوي، أو القلق الأمومي، وكلاهما مكلل بضيق ذات اليد الناجم عن جمود اقتصادي على مدى عامين ونصف العام وصل إلى درجة التحجر بفعل عام من حكم الجماعة.

مجموعة من المراهقين افترشوا الأرض في ميدان التحرير بعد الإفطار في جلسة ممتدة على ما يبدو. المجموعة في الصفين الثاني والثالث الثانوي. يقولون إنهم ليسوا من شباب الثورة، وإن كانوا سعداء بانتهاء زمن حكم الإخوان. كل منهم يردد الملابسات الصيفية نفسها. انتهوا من امتحانات الثانوية قبل أيام من تفجر أحداث 30 يونيو الماضي وهو ما بعثر خططهم في قضاء يوم في العين السخنة أو أيام في الإسكندرية أو أسبوعين في الغردقة.

أحمد (18 عاماً) يقول إن طرق السفر لم تعد آمنة بعدما تكرر قطعها على أيدي إما مؤيدين أو مناهضين للرئيس المخلوع محمد مرسي. وصديقه تامر (17 عاماً) يضيف أن الأوضاع نفسها في المدن التي يمكن أن يسافروا إليها ليست مستقرة، فالإسكندرية لا تختلف كثيراً عن القاهرة في التظاهرات والمشاحنات، أما الغردقة، وإن كانت بعيدة من الأزمات الحالية لكنها ليست بعيدة عن الحالة الاقتصادية التي تشكو منها غالبية الأسر المصرية، ما يؤجل أي خطط للسفر والترحال إلى أجل غير مسمى.

وتسمى تلك الإلغاءات والتأجيلات في قاموس الشباب والشابات إيذاناً بالانتقال إلى الخطط البديلة. تامر مثلاً يرى في النزول إلى التحرير بديلاً موقتاً لخطط الاصطياف. فالأجواء لطيفة بعد الإفطار وحتى السحور، كما أن كورنيش نهر النيل على مرمى حجر، والأمسية هناك ليست مكلفة.

لكن الكلفة لا تقلق مضاجع كثيرين، بل تقلقها الأوضاع الأمنية. فالطبقات الرابضة أعلى الهرم الاقتصادي لديها بدل البديل اثنان أو ربما ثلاثة.

أولئك الذين اعتادوا النزوح الجماعي صوب «الساحل الشمالي» لقضاء شهرين أو ثلاثة –وفق مدة العطلة الصيفية- لا تعتريهم مصاعب اقتصادية، بقدر ما تتمكن منهم هذه الأيام إما مشاعر قلق من الأوضاع الأمنية، أو أعتناق بعضهم «المذهب الثوري» بعدما ثبت لهم بالحجة والبرهان أن مصر التي عرفوها دراسة ونزهات شتوية وبحر وسهرات صيفية باتت مهددة بالزوال في ظل حكم الإخوان.

وإذا كان البعض قهر القلق الأمني وتوجه إلى منتجعات الساحل الشمالي فور الانتهاء من امتحانات نهاية العام مفضلاً البقاء هناك طيلة أيام التمرد ومن ثم العزل، فإن هناك من فضل البقاء في القاهرة للمشاركة الفعلية في النزول إلى الشوارع والميادين للتظاهر ضد حكم الإخوان وبعدها لتأييد تحركات القوات المسلحة في هذا الصدد. ليس هذا فقط، بل إن شباباً مصريين يعملون خارج مصر قرروا قضاء العطلة السنوية في القاهرة تزامناً وأحداث «تمرد» من أجل المشاركة بدور وطني في تحديد مصير مصر التي كانت في طريقها إلى خلع وجهها البهي واستبداله بآخر رضي.

ما يراه البعض رضياً هو لآخرين بهي، فالشباب والشابات المقيمين في «رابعة العدوية» يؤمنون بأنهم يقومون بعمل وطني جليل، بالإضافة لكونه عملاً يصب في مصلحة الشرعية ويدعم الشريعة التي هي غاية كل مسلم، أو هكذا أقنعهم قادتهم وأمراؤهم. يبيتون في خيام بدائية، ويمضون يومهم في العراء، ثم يفطرون سوية ويصلون كثيراً، ويكثفون دعاءهم على الأعداء والجيش، ثم يبتهلون إلى الله عز وجل، ثم يتسحرون، ثم يدعون كثيراً، وينامون ليستيقظوا في اليوم التالي نصرة للشرعية وحباً في الشريعة.

لكن هناك أيضاً من مل السياسة وكره التوتر وقرر أن يمضي قدماً في حياته وخططه الصيفية، وكأن شيئاً لم يكن. نادين (20 عاماً) كانت تخطط في الصيف الماضي لتلتحق بفرصة تدريب في شركة اتصالات كبرى لتضمها إلى سيرتها الذاتية، لكن الانفلات الأمني وقتها حال دون تحقيق ذلك. وهذا العام، وعلى رغم توتر الأوضاع المستمر، قررت ألا تؤجل خطتها أكثر وأن تمضي قدماً في حياتها.

وأضافت: «مهما بلغت الأوضاع من تعقيد، فإن الحياة يجب أن تستمر، وهذا الاستمرار في ذاته شكل من أشكال المقاومة».

وترى: «مقاومة حكم الإخوان الإقصائي ليست في التحرير فقط، ومقاومة عزل مرسي ليست في «رابعة» فقط، لكن هناك من يقاوم من أجل استمرار الحياة وهو ما أفعله. لقد بدأت بالفعل فترة تدريب صيفية على رغم كل شيء».
الجريدة الرسمية