دراما ضد الوصم.. المرض النفسي كلمة السر بمسلسلات رمضان 2022
جرعة مكثفة يشهدها موسم دراما رمضان 2022 من تسليط الضوء على القضايا النفسية والاجتماعية التى يعيشها أبطالها.. فعلى مدار تتبع أكثر من ثلاثون حلقة من مسلسلات الماراثون الرمضاني المُنصرم.. نستطيع أن نجزم أن الدراما النفسية أو بمصطلحها العلمي "السيكودراما" كلمة السر بنجاح هذا الماراثون.. حيث قدم نجوم ونجمات الفن نماذج أمراض كثيرة يعاني منها الأشخاص والمجتمعات والتى اختلفت من عمل لآخر وفقا لقصة كل مسلسل، وفى مقابل ذلك تراجع فى قائمة الأعمال التى تعتمد على العنف والبلطجة فلم يتخط عددهم الإثنين.
دراما الأمراض النفسية
ويُعد تجسيد الأمراض النفسية امتدادًا لعدة محاولات حدثت خلال الأعوام الماضية لتناول المرض النفسي بشيء من الدقة والتفصيل في وصف الأعراض والاستعانة بخبرات الطب النفسي في دعم السيناريو المكتوب بالتفاصيل العلمية.. ولعل من أبرز تلك الإرهاصات مسلسل "خلي بالك من زيزي" الي جذب الانتباه بقوة لقضيته النفسية بشأن مرض نقص الانتباه وفرط الحركة ADHD، ومسلسل "سجن النسا" الذي جاءت إحدى بطلاته مصابة بالوسواس القهري، ومسلسل "سقوط حر" الذي تدور أحداثه عن مريضة بمرض "الكتاتونيا" أو الذهان التخشبي.. لتكون سلسلة وعقد أصيل من الفن الراقي يستكمل حلقاته هذا العام بمسلسل للنجمة الكبيرة يسرا، وآخر للنجم السوري جمال سليمان وآخر لـ خالد النبوي.
مين قال؟
حيث قرر صُناع الفن هذا العام مواصلة هذا السلسال النفسي لتوجيه اهتمام أكثر بالصحة النفسية وإبراز معاناة المرضى النفسيين بشكل درامي.. وظهر ذلك جليًا خلال مسلسل "مين قال" الذي عُرض في 15 حلقة ألقت الضوء على عدد من الاضطرابات النفسية منها؛ الرهاب الاجتماعي والاندفاع العاطفي والتلعثم ونوبات الهلع بمختلف أشكالها وقلة الثقة بالنفس والصورة المعتلة المشوّهة للجسم وأيضًا مرض Dyslexia ومعناه باللغة العربية “عسر القراءة”.. فالمسلسل يمثل جرعة مكثفة من تجسيد الأمراض والإضطرابات النفسيه الأكثر شيوعًا في أوساط المراهقين والشباب.
أحلام سعيدة
كذلك تعود النجمة يسرا لتجسد بمسلسلها الرمضاني أشكال مختلفة من المرض النفسي عقب تقديمها مسلسل “فوق مستوى الشبهات” عام 2018 الذي جسدت به دور أستاذة جامعية متخصصة في التنمية البشرية فحين أنها تعاني من مرض نفسي خبيث بيه بالفصام يجعلها تخفي وجهًا أخر أكثر قبحًا ووحشية وشرًا.. ويعد مسلسل "أحلام سعيدة" لــ يسرا تتمركز أحداثه عن عدد من الاضطرابات ذات الطابع النفسي، أبرزها؛ منها الهلاوس السمعية والبصرية واضطرابات النوم ونوبات الهلع العديدة التي تُباغت شخصية الفنانة غادة عادل.. ويعد العلاج الجماعي إحدى مفردات مسلسل “أحلام سعيدة” الأساسية.. حيث يمثل “الإجراء العلاجي” الخيط الرفيع الذي يجمع أبطال العمل ببعضهم البعض.
راجعين يا هوا
ذلك ويقدم النجم خالد النبوي شخصية الرجل الـ توكسيك أو السام من خلال مسلسل “راجعين يا هوى” قصة الكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة.. كذلك يُجسد المسلسل دور الطبيب النفسي المريض النفسي والذي تؤديه الفنانة اللبنانية “نور” بشخصية الطبيبة التي لها تاريخ نفسي مؤلم ومُعقد.
ورشة سرد
وفي هذا السياق تواصلت “فيتو” مع الكاتبة الروائية المتميزة صاحبة القلم النفسي الرفيع.. “مريم نعوم” لنتعرف على سر توجه ورشة “سرد” للكتابة التي تقودها لتجسيد وإستعراض الأمراض النفسية.. وتقول “نعوم”: تجسيد الأمراض النفسية صعب للغاية.. يطلب بدايةً الحصول على إجازة من جانب طبي شديد التخصص، حيث أن العام الماضي قدمنا مسلسل “خلي بالك من زيزي” الذي قامت بمراجعته متعافية حقيقية من مرض ADHD، كذلك تكمُن الصعوبة في استغراق وقت طويل لإخراج العمل الفني دون ثغرات في السيناريو.. فالدقة بالأعمال النفسية أمر لا تفاوض فيه نسبةً لخصوصية المرض.
وتابعت: فالهدف وراء تلك الأعمال هو تناول واقعي لشخص المريض لإزاحة الغمام من أعين المجتمع، وإذا افتقد العمل النفسي تلك الدقة يصبح مجرد متاجرة بالأزمات النفسية بلا جدوى وظلمًا كبير لأصحابها وتكريسًا لصور نمطية مجتمعية غير منضبطة عن المرض النفسي والمصابين به.
وتعتبر مريم نعوم أن التجسيد الدرامي للاضطرابات النفسية له دور مجتمعي في محاربة وصم المرضى النفسيين بالجنون والعلة والعار.. قائلة: نظرًا لتدني مستوى الوعي المجتمعي بالاضطرابات النفسية فقد يواجه الأشخاص المصابون بها تفسيرات خاطئة وتعاملًا غير منضبط من المحيطين حوله برغم حبهم الشديد عليه.. ولأن الدراما تدخل كل بيت بسلسلة فبوسعها أن توفر تفسيرًا للغموض المحيط بالمعاناة النفسية لدى الكثيرين، مثلًا تجسيد نوبات الهلع عبر شاشات التليفزيون يراكم عند المشاهدين وعيًا بكيفية التعامل معها ومتى يجب استشارة طبيب.. كذلك مرض “فرط الحركة وتشتت الانتباه” والرهاب الاجتماعي الذي سرعان ما يتم وصم مرضاه بالجبن الغير مبرر، لكنه فحقيقةً الأمر كثيرًا ما يكون مُبررًا ونحن لا نعلم.
ضد الوصم
وعن تجربة ورشة “سرد” للكتابة تقول الناقدة الكبيرة “ماجدة خير الله”: إذا كانت سرد أو غيرها لها انحياز لقضية بعينها وتعمل على تناولها بشكل منضبط من خلال الأعمال التي تنتجها، فأعتقد أن ذلك نموذج ممتاز، خصوصًا أن الورشة بمرور الوقت أصبح لديها خبرة في التناول الحقيقي لمشكلات المجتمع النفسية بعد نجاح أكثر من عمل في هذا السياق وآخرهم بكل تأكيد مسلسل “مين قال” مين قال؟ هذا المسلسل صاحب الاسم الجميل المميز، ويكاد يكون هو المسلسل الوحيد الموجه لجيل الشباب ويعكس المشاكل والصراعات النفسية لجيل يبحث عن ذاته رافضًا الأحكام المسبقة.
فالدراما النفسية أصبحت مادة فنية أكثر جذبًا من مشاهد البلطجة والتخريب والعنف.. وهو إن دل على شيء يدل على وعي عميق اقترب من السكون بقلوب وعقول المشاهد العربي.