رئيس التحرير
عصام كامل

فى ذكرى رحيله.. كيف وصف الكاتب محمود السعدني آخر محطات مشواره الأدبي؟

الكاتب الساخر محمود
الكاتب الساخر محمود السعدنى

مضى العمر وولت سنوات الشباب من بين أصابعى دون أن أدرى، ماتت البسمة على شفتى لا أدرى لماذا، وانهارت ذاكرتى حتى شعرى راح يتآكل كأنه فروة خروف جربان، وازددت صلعا وقلة قيمة وأنا حي أرزق.. هذه الكلمات التي كتبها وهو على سرير المرض الكاتب الساخر محمود السعدنى الذى رحل في مثل هذا اليوم 4 مايو 2010.

وأضاف السعدنى: بعد أن كان الأكل لذة أصبح لعنة والليل الذى كان سميرى أصبح عدوى اللدود وإذا سهرت ليلة نمت من المغرب كالفراخ حتى صعود السلم أصبحت لم أقدر عليه، أتوكأ على عصا، وعلى عيني نظارة، لكنى أتمنى من الله ولا يكثر على الله أن يصدر قرار استثنائى بأن يظل بعض الناس الطيبين أحياء إلى آخر الزمان وأن أكون واحدا منهم، فأنا أخشى أن يحملنى الأصدقاء يوما ليقذفوا بى فى حفرة ثم يسهرون فى الليل يرددون نكاتى ومشاغباتى معهم.

قهوة عبد الله 

هكذا كان يعبر الكاتب محمود السعدنى عن حياته ويقدم نفسه دائما إلى قرائه ويقول: أخوكم العبد لله محمود بن عثمان بن محمد بن على بن السعدنى الشهير بمحمود السعدنى، رحلة قطعتها عبر سنوات طوال على مقعدى فى مقهى بلدى فى الجيزة هى قهوة عبد الله، وعبد الله رجل بلا شأن لكنه دخل التاريخ من أوسع أبوابه، المقهى أنواره باهتة ومقاعده مهشمة لكن شهرته أوسع من ميدان الجيزة نفسه. التقيت فى هذا المقهى بعشرات من الأدباء والشعراء والفنانين معظمهم تتلمذت على يديه وبعضهم زاملته وبعضهم تأستذت عليه.. نماذج من البشر لن يجود الزمان بمثلهم، اجتمعوا طويلا ثم انفضوا جميعا، بعضهم اختطفه الموت، والبعض هرسه الزمن الغادر وبعضهم طرده الجمود والنكران إلا أنهم جميعا من زبدة مصر وسحرها وحفنة من ترابها، إنهم مصر نفسها وبدونهم ربما لا تكون مصر. أسماء لمعت وأسماء انطفأت وخطوط طقطقت وخطوط اندثرت، بهم نشبت معارك وبسببهم تحقق الخلود لأيام وحكمة الله أن رواد المقهى من الأدباء سلكوا طرقا مختلفة لكن الغاية كانت واحدة وجميعهم هاموا حبا بمصر لكن أحد منهم لم يفز بها.. نماذج لن تتكرر وشخصيات كان يكفى أن تأتى واحدة منها فى كل عصر لتزينه وتبهجه وتنشر النور فيه: أنور المعداوى، زكريا الحجاوى، عبد الرحمن الخميسى، عبد القادر القط، زهدى، عبد الحميد قطامش، عباس الشيخ، نزار قبانى، محمود حسن إسماعيل، نعمان عاشور، محمد كامل حسين، عدنان الراوى، هاشم السمان، هذا جيل.

جيل صلاح جاهين 

وبعده جاء جيل آخر: صلاح عبد الصبور، يوسف إدريس، أحمد حجازى، صلاح جاهين، حسن فؤاد، أحمد عباس صالح، رجاء النقاش، يوسف الحطاب ومحمد عودة.

وأضاف السعدنى:امتدت سياحتى فى قهوة عبد الله التى هى أهم سياحة فى العمر.. عشر سنوات كاملة بخيرها وشرها، كانت حياة حافلة وجامعات كبرى للفلسفة والتاريخ والمنطق والفلسفة والأدب والشعر والموسيقى وفن النكتة وعلم الكلام.

سأموت صحفيا 

فأنا من النوع الذي لا يهوى الفرجة على الآثار ولا السيما ولا قضاء الوقت في المتاحف، لكن أحب الحياة مع الناس، ولى في كل بلد سافرت إليها أصدقاء وأحباء أحن إليهم وأشتاق إلى رؤيتهم، وأتمنى أن أذهب إلى لقائهم بين الحين والحين، لقد دفعت دفعا من مرحلة الطفولة الى مرحلة الكهولة دون أن أمر بمرحلة الشباب، سأعيش صحفيا وأموت صحفيا وسأحشر يوم القيامة فى زمرة الصحفيين. 

الجريدة الرسمية