سيادة المستشار يجهل القانون!
قاعدة صارمة يعمد إليها الفقه والقضاء ردًا على من يتذرع بالجهل بالقانون، ولا يغادر طالب كلية الحقوق الصف الأول الجامعي إلا بعد أن يتعلم أنه لا يجوز الاعتذار بالجهل بالقانون، وهي قاعدة عامة مجردة تُشهر في وجه المواطن مهما كانت بساطته وظروفه ضمانًا لنفاذ التشريعات وقواعد العدالة
ومعنا اليوم ظاهرة فريدة، يتعجب منها رجال القانون، ربما كانت الصدمة، وربما كان النسيان، الحقيقة أننا لا ندري، ولكن هذا ما حدث: مستشار بدرجة نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية يطعن على قرار مجازاته بعد فوات المواعيد المقررة للطعن، كيف هذا وحياة أعضاء النيابة الإدارية ممزوجة بالمواعيد، وكل رجال القانون يعتبرون المواعيد هي سياج الأمان لكل حق قانوني؟!
ونحن من جانبنا نعرض الواقعة لتكون درسًا واضحًا لكل صاحب حق أو من يدعي أنه صاحب حق، حتى لا يصبح مثل المستشار الذي نسى المواعيد القانونية، فضاع حقه في نظر الطعن على قرار مجازاته، وأغلق الباب في وجهه مدى الحياة، حتى ولو كان له الحق فيما يدعيه
تنبيه كتابي
قالت المحكمة الإدارية العليا عبر أسباب حكمها أنه بتاريخ 6/11/ 2019 أودع وكيل الطاعن "غ ع ع" قلم كتاب المحكمة تقرير الطعن طالبًا بقبول الطعن شكلًا، وفي الموضوع بإلغاء الموضوع بإلغاء قرار رئيس هيئة النيابة الإدارية الصادر بتاريخ 9 / 2/ 2019 فيما تضمنه من توجيه تنبيه كتابي له عن ملف التحقيق رقم 18 لسنة 2018 مع ما يترتب علي ذلك من آثار، مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وذكر الطاعن أنه يشغل وظيفة نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية، وأنه صدر القرار المطعون فيه لما نسب إليه في التحقيق من أنه إبان عمله مديرًا لنيابة بني سويف القسم الأول أجاز مذكرة تصرف رغم ما شاب تحقيقاتها من قصور ترتب عليه خطأ في الرأي الذي انتهى إليه التصرف في القضية.
ونعى على القرار المطعون فيه مخالفة الواقع وحكم القانون وذلك على سند من القول بأن التنبيه بني على وقائع غير صحيحة ومتناقضة، ولم تثبت تجاهه فضلا عن عدم مشروعية العقوبة الموقعة عليه، وتدوول نظر الطعن أمام المحكمة.
وقدمت هيئة قضايا الدولة نيابة عن رئيس هيئة النيابة الإدارية حافظة مستندات تضمنت نسخة من القرار المطعون عليه والموجه إلى الطاعن من رئيس الهيئة ومذكرة طلبت فيها الحكم بعدم قبول الطعن شكلا لعدم مراعاة المواعيد المقررة قانونا لإقامته.
المحكمة العليا
أكدت المحكمة العليا أن الطاعن يهدف من طعنه الحكم بقبول الطعن شكلًا، وفي الموضوع بإلغاء قرار رئيس هيئة النيابة الإدارية الصادر بتاريخ 9/2/ 2019 فيما تضمنه من توجيه تنبيه كتابي له عن ملف التحقيق رقم 18 لسنة 2018 مع ما يترتب علي ذلك من آثار.
وعن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة نيابة عن هيئة النيابة الإدارية، بعدم قبول الطعن شكلًا لرفعه بعد الميعاد المقرر قانونا، فإن المادة (24) من قانون مجلس الدولة رقم (47) لسنة 1972 تنص على أن "ميعاد رفع الدعوى أمام المحكمة فيما يتعلق بطلبات الإلغاء ستون يوما من تاريخ نشر القرار لإداري المطعون فيه في الجريدة الرسمية أو في النشرات التى تصدرها المصالح العامة أو إعلان صاحب الشأن به.
وينقطع سريان هذا الميعاد بالتظلم إلى هيئة النيابة الإدارية التى أصدرت القرار أو الهيئات الرئاسية، ويجب أن يبت في التظلم قبل مضى ستين يوما من تاريخ تقديمه، وإذا صدر القرار بالرفض وجب أن يكون مسببًا ويعتبر مضى ستين يوما على تقديم التظلم دون أن تجيب عنه السلطات المختصة بمثابة رفضه، ويكون ميعاد رفع الدعوى بالطعن في القرار الخاص بالتظلم ستين يومًا من تاريخ إنقضاء الستين يومًا المذكورة.
الأمانة العامة
والثابت بالأوراق أن القرار المطعون عليه صدر بتاريخ 9/2/ 2019، وتظلم منه بتاريخ 10/3/ 2019 إلى المجلس الأعلى لهيئة النيابة الإدارية إعمالا لحكم المادة 40 (مكررًا) من قانون تنظيم هيئة النيابة الإدارية، وتم إخطاره برفض تظلمه بتاريخ 2/4/2019 بموجب كتاب الأمانة العامة والذي تسلمه الطاعن ووقع عليه بالعلم بتاريخ29/ 4/ 2019.
ومن ثم فإنه كان يتعين عليه إقامة الطعن الماثل في موعد غايته28/ 6/ 2019، وإذ أقام الطاعن طعنه الماثل بتاريخ6/ 11/ 2019 ومن ثم فإنه يكون مقاما بعد الميعاد المقرر قانونًا، ولهذه الأسباب قضت المحكمة بعدم قبول الطعن شكلًا لرفعه بعد الميعاد المقرر قانونًا، وألزمت الطاعن المصروفات.
كان ذلك درسًا قاسيًا لكل من يتعامل في مسألة قانونية، وإذا نسي المستشار فمن المحتمل أن ينسى المحامي كذلك، وهو ما يُحتم على كل صاحب حق أن ينتبه للواعيد التي قررها القانون، وهي أنواع لعلنا نتمكن من تفصيلها لاحقًا.. وللحديث بقية