رئيس التحرير
عصام كامل

مصطفى صادق الرافعي يكتب عن مدرسة الثلاثين يوما الرمضانية

المفكر مصطفى صادق
المفكر مصطفى صادق الرافعى

في كتابه "وحى القلم"، كتب الأديب مصطفى صادق الرافعى، عن شهر رمضان يقول: الناس لا يختلفون في الإنسانية بعقولهم، ولا بأنسابهم، ولا بما ملكوا، وإنما يختلفون ببطونهم، وأحكام هذه البطون على العقل والعاطفة، فمن البطن نكبة الإنسانية، ومن هنا يتناوله الصوم بالتهذيب والتأديب، ويجعل الناس فيه سواءً، يحكم الأمر فيحول بين البطن والمادة. 

أية معجزة إصلاحية أعجب من هذه المعجزة الإسلامية، التي تقضى أن يحذف من الإنسانية كلها، تاريخ البطن ثلاثين يوما في كل سنة ليحل في محله تاريخ النفس.

 

الشهر الصحى 

وأنا مستيقن أن هناك نسبة رياضية هي الحكمة في جعل هذا الصوم شهرا كاملا من كل اثنى عشر شهرا، وكأن الشهر الصحى الذى يفرضه الطب في كل سنة للراحة والاستجمام، وتغيير المعيشة لإحداث الترميم العصبى في الجسم، ولعل ذلك آت من العلاقة بين دورة الدم في الجسم الإنسانى وبين القمر، متى يكون هلالا، إلى ان يدخل في المحاق.

وقد ثبت أن للقمر أثرا في الامراض العصبية، وفى مد الدم وجزره، فهذا من أعجب الحكمة أن يكون الصيام شهرا قمريًّا دون غيره، وفى وجوب الصوم لرؤيته معنى آخر ودقيقًا.

 

تربية الإرادة 

وهناك حكمة كبيرة من حكم الصوم، وهى عمله في تربية الإرادة، وتقويتها بهذا الأسلوب العلمى الذى يدرب الصائم على أن يمتنع باختياره عن شهواته، ولذة حيوانيته، مصرا على الامتناع متهيأ له بعزيمة، صابرا عليه بأخلاق الصبر.

شهر هو أيام قليلة في الزمن متى اشرقت على الدنيا، قال الزمن لأهله: هذه أيام من أنفسكم، لا من أيامى، ومن طبيعتكم، لا من طبيعتي، فيقبل العالم كله على حالة نفسية بالغة السمو، يتعهد فيها النفس برياضتها على معالى الأمور ومكارم الأخلاق.

 

الطبيعة الحيوانية 

إنها والله طريقة عملية لرسوخ فكرة الخير والعدل والحق في النفس، وتطهير الاجتماع من خسائس العقل المادي، ورد هذه الطبيعة الحيوانية المحكومة في ظاهرها بالقوانين والمحررة من القوانين في باطنها.. إلى قانون من باطنها نفسه، يطهر مشاعرها، ويسمو بإحساسها، ويصرفها إلى معانى انسانيتها، ويهذب منها، حتى يرجع بها الى نحو من براءة الطفولة، فيجعلها صافية مشرقة بما يجتذب اليها من معانى الخير والصفاء والإشراق.

ألا ما أعظمك يا شهر رمضان يا شهر الخير، لو عرفك العالم حق معرفتك لسماك "مدرسة الثلاثين يوما".

الجريدة الرسمية