مراقد آل البيت ومشاهد الصحابة في حضن الإهمال (25)
الصعيد يحظى بعدد كبير من المقامات والمشاهد للعترة الطاهرة، والصحابة، والعلماء، مثل: العارف بالله بسوهاج، وجلال الدين السيوطي بأسيوط، وعبد الرحيم القنائي بقنا، وأبو الحجاج الأقصري بالأقصر، وعلي بن دقيق العيد، والذى يتواجد على بعد خطوات من مدخل معابد الكرنك، والحاج حسن بأسوان.. وغيرها. ولكن يتركز الاهتمام على المقامات الكبرى والمشهورة، لكن ما دون ذلك فهو خارج بؤرة الاهتمام تمامًا، وخذ مثلا مقام السيد السنجق سليمان في مدينة جرجا بسوهاج لا أحد يعرفه ويغرق أيضا في الإهمال، وغيره الكثير والكثير.
مقام الشيخ سالم
وفي الطريق إلى مسجد ومقام السيد أبي الحسن الشاذلي، رضي الله عنه، بوادي حميثرا، يوجد مقام لأحد الأولياء اسمه الشيخ سالم، ويقال إنه كان في حياته بمثابة دليل لزائري مقام الشيخ أبي الحسن الشاذلي، ولما توفي أقيم على قبره هذا الضريح، وللأسف الشديد فالضريح يعني إهمالًا بالغًا منذ أنشئ، فالقاذورات والمخلفات تحيط به من كل جانب، مع انعدام الأمن والحراسة، والافتقار للماء الصالح للشرب، والصرف الصحي، وبالتالي ليست هناك دورات للمياه، ولا صنابير للوضوء، وكأننا نعيش في القرن قبل الماضي.
أبي الحسن الشاذلي
وفي القرية التي تزدحم بزائري مقام أبي الحسن الشاذلي، في الكثير من المواسم، وخاصة في وقفة عيد الأضحى، موعد مولده السنوي، يعاني الناس من عدم وجود المياه، ويضطرون لنقل المياه في فناطيس غير مضمونة النظافة، في ظل تفشي الأمراض الفيروسية، والأوبئة.
كل هذا يحدث مع وجود ما يقرب من مليون شخص في هذا المولد الذي يقام بصورة دورية، دونما توقف تقريبًا، ومع وجود الشرطة ومسئولي المحليات.. إلا أن التطوير يتم ببطء السلحفاة!
وأبو الحسن الشاذلي هو شيخ الطريقة الشاذلية، صاحبُ الإشارات العلية، والأنوار المحمدية، الحامل في زمانه لواء العارفين، منشئ معالم الطريقة ومظهر أسرارها، ومبدئ علوم الحقيقة بعد خفاء أنوارها، الدال على الله وعلى سبيل جنته، والداعي على علم وبصيرة إلى جنابه وحضرته، وأحد أهل زمانه علما وحالا، ومعرفة ومقالا، الحسيب ذو النسبتين الطاهرتين الروحية والجسمية، المحمدي العلوي الحسني الفاطمي، الصحيح النسبتين، الكريم العنصرين، الأستاذُ الواصل المرّبي الكامل أبو الحسن سيدي علي الشاذلي الحسني.
المدرسة الشاذلية
كان فصيح اللسان عذب الكلام، يلبس الفاخر من الثياب، ويتخذ الخيل الجياد، وكان لا يعجبه الزي الذي اصطلح عليه الفقراء، ولا يتخذ المرقعات التي يتخذها الصوفية. وكان الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد رضى الله عنه يقول: ما رأيتُ أَعرفَ بالله من الشيخ أبي الحسن الشاذلي رضى الله عنه.
أبو الحسن الشاذلي، رضي الله عنه، كتب عنه الدكتور عبد الحليم محمود، رحمه الله، وزير الأوقاف، وشيخ الأزهر السابق، أحد أهم كتبه، بل وموسوعة هي “المدرسة الشاذلية”، وقال عنه: "هو القطب الأكبر، والعلم الأشهر، والطود الأظهر العالى السنام، هو البدر الطالع الواضح البرهان، الغنىّ عن التعريف والبيان، المشتهر فى الدنيا قدره، الذى لا يختلف فى غوثيته اثنان".
وأنصت سلطان العلماء العز بن عبد السلام، إلى حديثه فلم يتمالك نفسه، إلا أن صاح: “اسمعوا لهذا الكلام الغريب، القريب العهد من الله”. ويكفي أن نعرف أن من تلاميذه؛ أبا العباس المرسي، وأبا العزائم ماضي، وابن عطاء الله السكندري، والبوصيري صاحب البردة. وحج أبى الحسن الشاذلي مرات، ومات بصحراء عيذاب قاصدا الحج، فدفن هناك في ذي القعدة سنة ست وخمسين وست مائة.
يحدث هذا الإهمال والتجاهل مع أحد كبار رموز وأئمة الصوفية على مر التاريخ، وهو سيدي أبي الحسن الشاذلي، فما بالنا بمن هو أقل شهرة؟!