رئيس التحرير
عصام كامل

المعلم.. البرادعي

الدكتور محمد البرادعي
الدكتور محمد البرادعي

"في البداية يتجاهلونك، ثم يسخرون منك، ثم يحاربونك، ثم تعلن أنت خارطة الطريق"... هكذا علق "البرادعوية" على الكلمة التي ألقاها الدكتور محمد البرادعي -مؤسس حزب الدستور- "غاندي مصر" كما يطلقون عليه، وكلمة السر في الثورة المصرية الأولى والثانية، مهما أنكر عليه الحاقدون ذلك، ومهما حاولوا تشويه صورته، فيكفيه حشود شباب مصر في كل أنحاء الجمهورية، التي تجمعت سويا على حبه تحت اسم "البرادعوية".


" في أمل".. كلمة ظلت وثيقة الصلة به منذ عام 2009، قبل أن يعود للقاهرة، وخاطب بها الشباب الذين أحبهم فأحبوه، ليظهر لهم بصيص نور في عتمة نظام مستبد، في عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، ويعود ويقولها لتضيء لهم الطريق وتعيد لهم ثورتهم بعد أن ضاعت في ظل نظام لا يرى إلا جماعته في حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، وظل البرادعي يردد على مدى عامين ونصف العام " ثورة لا تحاكم من قتل أبناءها هي ثورة لم تكتمل".

"نظام فاشل مستبد يقتل روح الثورة، أدعو كل مصري للتوقيع على تمرد لنسترد ثورتنا، قوتنا في سلميتنا وعددنا ووحدتنا".. هكذا خاطب الدكتور "البرادعي" الشعب، وكله ثقة في أن هذه الاستمارة قادرة على توحيد المصريين لاسترداد ثورتنا، ليعقد مع شباب تمرد وجبهة الإنقاذ مؤتمر "ما بعد الرحيل" قبل 30 يونيو، وقد طالب فيه مرسي بالاستقالة، وتشكيل لجنة لتعديل الدستور، وإعادة النائب العام عبدالمجيد محمود، وتشكيل حكومة ائتلافية لاستعادة الثورة، لتحدث ثورة 30 يونيو، وتعود مصر للمصريين الحقيقيين.

مطالبات "البرادعي" باستقالة "مرسي"، لم تأت من فراغ، بل بعد أن فقد الأمل في أي إصلاح من نظام الإخوان، فقد وجه لهم عدة دعوات لكى يأتى الإصلاح من خلال مرسي، فكتب له: "البداية.. سحب مشروع تدمير السلطة القضائية وحكومة قادرة مستقلة ونائب عام جديد ثم حوار وطنى جاد... الجهل والعناد سيدمر البلاد.. إلى الدكتور مرسي ومن معه: أحملك باسم جموع الشعب المصري المسئولية الكاملة عن حالة الاستقطاب التي تمزق الوطن... استمعوا لصوت العقل قبل فوات الأوان.

ورغم ذلك ولحسن حظ هذا الشعب استمر "غباء" الرئيس السابق، وخرج بعدها بخطاب يلقي فيه مسئولية كوارث البلاد على بعض الأشخاص، متجاهلا أنه يملك كل الصلاحيات، فما كان من الدكتور "البرادعى" إلا أن قال: إن خطاب الرئيس مرسي جعلنا نتمسك بالمشاركة في تظاهرات 30 يونيو، فقد تجاهل المخاطر الأمنية التي تمر بها البلاد، سنخرج، الأحد، لبناء ثورة جديدة، وقوتنا في سلميتنا وعددنا، هننزل جميعا يوم 30 في كل مكان في مصر لاسترداد الثورة وتصحيح مسارها".

"تستطيع أن تنتقده دون أن تخاف منه".. هكذا وصفه الكاتب الصحفي إبراهيم عيسى، وأكبر دليل عى ذلك أن أصبح "البرادعي" محل سخط واتهامات أغلب الموجودين على الساحة السياسية، خوفا من أن يأخذ منهم منصبا لم يحلم به، بل إنه قطع الطريق على الجميع وأعلن أنه لن يترشح لرئاسة الجمهورية، ورغم ذلك لم يرحمه أنصار النظامين "مبارك والإخوان" وتفنن كل منهما في توجيه الاتهامات إليه، التي لا أساس لها من الصحة.

وللأسف وجدت تلك الاتهامات من يصدقها لدي بعض البسطاء، فقالوا إنه "بتاع أمريكا" كما اتهموه، رغم أن وثائق "ويكيليكس" كشفت في أحد تقاريرها أن "واشنطن أطاحت بالبرادعي من رئاسة الطاقة الذرية لانتقاده الحكومات العربية واهتمامه بقضايا الشرق الأوسط"، وعلى الرغم من أن ترشيح البرادعى لرئاسة الوكالة الدولية للطاقة الذرية من جانب أمريكا لم يكن إلا حقا له، في وقت تجاهله فيه الرئيس الأسبق حسنى مبارك، ومن خلافاته الشخصية معه قام مبارك بترشيح منافس للبرادعى، وكأنه ليس مصريا، ولكن لأن دول العالم المتقدمة لا تختار إلا الكفاءات، فكان المنصب من نصيب "البرادعي"، فقد كان من قبل أحد كبار موظفى أمانة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وقد شغل فيها منذ عام 1984 عددا من المناصب الرفيعة، بما في ذلك منصب مستشارها القانونى، ثم في عام 1993 تولي منصب مساعد المدير العام لشئون العلاقات الخارجية، واختير كمدير لها في ديسمبر 1997، وأعيد تعيينه لفترة ثانية في سبتمبر 2001 قبل أن يتم التجديد له أوائل شهر أكتوبر، وتوج مجهوده بإعلان فوزه بجائزة نوبل للسلام مناصفة مع الوكالة في عام 2005، وحصوله على الجائزة مناصفة مع الوكالة جعل الدكتور أحمد عكاشة أستاذ الطب النفسي يقول عنه "يعرف كيف يعمل مع فريق وهذا ما تحتاجه مصر، بدليل تقاسمه جائزة نوبل هو وموظفي وكالة الطاقة النووية".

ومن أبرز التهم التي حاولت جماعة الإخوان إلصاقها بالبرادعى هي أنه عدو للإسلام، ومؤيدوه فقط من "العلمانيين والليبراليين والمسيحيين"، رغم أن أحد الاستطلاعات أظهرت أن 92% من مؤيدى البرادعي إسلاميون يريدون المرجعية للشريعة، كما كان أول منسق لحملة "دعم البرادعي رئيسا" كان عبد الرحمن يوسف ابن الدكتور يوسف القرضاوي الأب الروحى لجماعة الإخوان المسلمين، حتى أن "القرضاوي" نفسه تساءل في الفترة الانتقالية عن سبب عدم تعيين "البرادعي" رئيسا للحكومة.

ومن بين أبرز الشهادات التي قيلت في حق "البرادعي" هي شهادة المفكر الإسلامي الدكتور محمود إسماعيل الملقب بفيلسوف المؤرخين العرب، الذي قال: "البرادعى الأصلح للرئاسة، لأنه وطني، وحاز الشهرة، ومؤهل لحل مشاكل مصر الداخلية والخارجية، وجوهره نظيف، والبعض يشوهون كل ما هو نظيف، ولا يريدون رئيسا نظيفا".

وقال عنه الدكتور محمد يسري سلامة، المتحدث الأسبق باسم حزب النور، رحمه الله: "الكثير من الإسلاميين وأنا منهم لا يجدون مرشحا بخبرة نستطيع وصفه برجل المرحلة أكثر من البرادعي، ونقدر أن البرادعي يحترم الإسلام دين الدولة، ويدعو لتفعيل مبادئ الشريعة، سبب تأييدى البرادعى هو أنى أراه الأقدر على إقامة العدل والحقوق والنماء والسلام".

و"البرادعي" دافع عنه الجميع، حتي من سبوه، فقد قال امتدحه الدكتور مصطفى الفقي -سكرتير المعلومات الأسبق للرئيس مبارك - وقال عنه: "رمز الطهارة والنقاء".

ومن أحدث التهم التي تحاصر "البرادعي" مؤخرًا بأنه تحالف مع المجلس العسكري الذي ندد به في أثناء الفترة الانتقالية، مع أن الحقيقة أنه حذر منذ فترة أن نصل لذلك المصير حينما قال: "إذا لم يتراجع مرسي عن قراراته واستمر الضغط الشعبى، أتوقع تدخل الجيش من جديد".
الجريدة الرسمية