رئيس التحرير
عصام كامل

الجرئ خالد يوسف

المخرج خالد يوسف
المخرج خالد يوسف

وصف مشروع الدستور بأنه "نكبة ونقطة سوداء" في تاريخ مصر، قائلًا: "إننا نستحق دستورًا أفضل من ذلك؛ لأن العالم كله ينظر إلينا الآن على أننا قمنا بثورة عظيمة نستحق عليها أن يكون دستورنا أفضل من ذلك".


نجح المخرج خالد يوسف في تحويل عالمه السينمائى إلى حقيقة عاشتها مصر، إلى ثورة شارك فيها ملايين المصريين، فقد تبنت سينما خالد عوالم الفقراء والمهمشين، وقامت بتشريح المجتمع المصرى وتحولاته العديدة لتصبح أفلامه أقوى تعبيرًا وتحريضًا على الثورة من العديد من السياسيين، وخالد لم يكتف فقط بكونه فنانًا، بل أكد أن الفنان الحقيقى لا ينفصل عن الشارع، وأنه لابد أن يكون له موقف سياسي واضح ومعلن، وهو ما فعله في ثورة 25 يناير، وثورة 30 يونيو.

ولم يتوقف دور خالد يوسف، بل ظل لمدة عام من حكم الرئيس المعزول محمد مرسي يناضل ويتصدر الحراك السياسي ضد التيار الدينى، الذي كان له أكثر من سابقة في عهد الرئيس السابق مبارك، ومنها الدعوى التي أقامها أحد الشيوخ ضد مشهد "السحاق" في فيلم "حين ميسرة"، واعتبروه انحدارًا للفن ودعوة للشذوذ، فما كان من خالد إلا أن قال إنه ينقل ما يحدث في عشوائيات مصر، ويدق ناقوس الخطر، وهو ما استغله بعض شيوخ التيارات الإسلامية للتحريض على قتله، والوقوف ضد مواقفه، واعتبروه أحد دعاة الفساد، إلا أن هذا لم يمنعه من المشاركة في كل من "جبهة الإبداع" التي كونها فنانو مصر، وسبقها انتماؤه للتيار الشعبى الذي أسسه المرشح الرئاسى السابق حمدين صباحى.

وقاد خالد معركة فنانى مصر في رفضهم التمثيل الضعيف في "تأسيسية الدستور"، الذي اختصر وجودهم على نقيب المهن التمثيلية فقط، وهو ما رفضه الفنانون، وقاموا بعقد اجتماعات في نقابة المهن التمثيلية، وكونوا وفدًا توجه إلى مجلس الشعب -الذي كان يرأسه الكتاتنى آنذاك- لفهم أسباب التعنت ضد فنانى مصر، إلا أنهم لم يجدوا إجابة واضحة ليعلنوا رفضهم هذا الدستور المعيب.

وشارك خالد في التظاهرات التي خرجت بالملايين إلى التحرير والاتحادية ضد التعديلات الدستورية والدستور المعيب، ودعا خالد الشباب إلى الذهاب للتصويت بـــ"لا"، معتبرًا ذلك أقل رد على جماعة الإخوان المسلمين؛ لأنهم اعتبروا الشعب غير قادر على اتخاذ قرار مصيري في حياته.

وقد وصف المخرج السينمائي مشروع الدستور بأنه "نكبة ونقطة سوداء" في تاريخ مصر، قائلًا: "إننا نستحق دستورًا أفضل من ذلك؛ لأن العالم كله ينظر إلينا الآن على أننا قمنا بثورة عظيمة نستحق عليها أن يكون دستورنا أفضل من ذلك".

وبسبب آراء خالد تعرض أكثر من مرة للتهديد بالقتل والضرب، فأمام مدينة الإنتاج الإعلامي تم الاعتداء عليه من قبل حركة "حازمون"، أثناء حصارهم المدينة، فاعتدوا عليه بالضرب وتكسير زجاج سيارته أثناء ذهابه لإحدى القنوات التليفزيونية، وتقدم خالد ببلاغ –آنذاك- اتهم فيه كلًا من المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين ومحمد مرسي وحازم صلاح أبوإسماعيل بمحاولة قتله.

خالد أيضًا كان صاحب فكرة اعتصام وزارة الثقافة ضد وزير الثقافة الإخوانى علاء عبدالعزيز، بعد أن أقال عددًا من قيادات الوزارة بسبب مواقفهم ضد "أخونة الثقافة"، فقد اقتحم خالد مع عدد من مثقفى ومبدعى مصر وزارة الثقافة، واعتصموا بها، معلنين رفضهم هذا الوزير وسياساته، واستمر الاعتصام 27 يوما، قام خلالها مثقفو وفنانو مصر بالهتاف ضد حكم المرشد والدعوة إلى حركة تمرد والاحتشاد ليوم 30 يونيو، ودافع عنها ضد من قال إن الفلول يقودونها قائلا: "إن ادعاء الإخوان بأن الفلول هم من قاموا بالموجة الثورية الأخيرة غير صحيح على الإطلاق، ولو كان الفلول بهذه القوة، كانوا نفعوا أنفسهم ومنعوا سقوط مبارك، كما أنه لا يستطيع أحد أن يؤثر في شعب كامل، ويجعله يخرج إلى الميادين على النحو الذي رأيناه في يونيو سوى العقل والفعل الجمعي للمصريين وإحساسهم بالخطر الفعلى المحدق ببلادهم ورغبتهم في إسقاط نظام الإخوان.

وإن كان خالد في ظل أحداث ثورة 25 يناير قد نسى تصوير أحداث الثورة، فقد اختارته القوات المسلحة لتوثيق ثورة 30 يونيو من خلال طائرة خصصت له لتصوير كل تلك الأحداث.

وإن كان فيلم "هي فوضى" قد تنبأ بثورة 25 يناير ونهاية الدولة البوليسية، فإن فيلمه الأخير" كف القمر" الذي عرض عام 2011 يتنبأ بضرورة توحيد الصف ولم الشمل حتى تخرج مصر من مأزقها السياسي.

ولد خالد يوسف في "كفر شكر" عام 1964، وتخرج في كلية الهندسة عام 1990، وفى تلك الفترة بدأ التشكل الحقيقى لوجدان خالد يوسف السياسي، فقد كان أحد القيادات البارزة للحركة الطلابية في الثمانينيات، وأتاح له العمل الطلابى فرصة للاقتراب من كبار ساسة ومثقفى ومبدعى الأمة العربية، أمثال "خالد محيي الدين"، "يوسف إدريس"، "نزار قبانى" و"يوسف شاهين" الذي نصحه بالعمل في السينما، عندما لمس أن لديه موهبة ما.

فبدأ حياته السينمائية في عام 1990 كممثل في فيلم روائى قصير هو "القاهرة منورة بأهلها" ليوسف شاهين، وسرعان ما وجد نفسه في ذات الفيلم ينجذب لتعلم الإخراج، فانضم إلى مدرسة المخرج الكبير يوسف شاهين، وفى عام 1992 أصبح مساعدًا له في فيلم "المهاجر"، إلى أن وضع اسمه جنبا إلى جنب مع أستاذه في فيلم "هي فوضى"، الذي كان آخر أعمال الراحل يوسف شاهين.

ثم قدم خالد فيلمى "حين ميسرة" و"دكان شحاتة"، وتلك الثلاثية من الأفلام أسهمت بشكل كبير في كشف حجم الواقع المتردى، بما فيه من مظاهر الفقر والقهر والظلم الذي يعيشه المصريون، مما أدى إلى تأصيل روح التمرد التي قادت إلى الثورة، التي كان أحد أبرز المشاركين فيها، وكان لندائه الشهير بحماية المتحف المصرى في ثورة 25 يناير، لأنه يحوى أهم كنوز الحضارة البشرية، فكان لدعوته أثر كبير في نفوس المصريين الذين توافدوا بالآلاف، وتمكنوا من حماية المتحف من أعمال النهب التي كانت ستطال أهم كنوز الحضارة الإنسانية.
الجريدة الرسمية