مراقد آل البيت ومشاهد الصحابة في حضن الإهمال ( 14 )
هل نحن أمة تدمر تاريخها، دون أن يطرف لها جفن؟! هل نتنازل بمنتهى السهولة واليسر عن أحد أخطر أدوات قوتنا الناعمة، بجرة قلم، أو قرار في لحظة طيش؟! هذا ماحدث حين قرر أحد مسئولي المحليات في عهد سابق، أن يشق شارعًا وسط مقابر "حوش الصوفية"، والذي كان يسمى بـ "خانقاه الصوفية"، قرب باب النصر، بحي الجمالية بالقاهرة..
حيث تم اقتطاع مساحة كبيرة، بمنتهى العشوائية، مدمرًا مشاهد ومراقد عدد من أعظم الأئمة والعلماء الذين نفخر بانتمائهم لأرض الكنانة، وما هكذا يعامل الأحفاد البررة أجدادهم العظام!
من بين ضحايا القرار العشوائي؛ ضريح الشيخ الشرف الدمياطى، الذى يقع فى مقابر الصوفية خارج باب النصر، وهو لشرف الدين عبد المؤمن بن خلف بن أبى الحسن بن شرف، ولد فى بلدة تونة بالبحيرة عام 613 هـ.
ضريح الشرف الدمياطي
نشأ الشيخ الشرف الدمياطى فى بيئة إسلامية توطدت أركانها وتلقى ثقافته الأولى، وهو ما زال طفلًا صغيرًا بمدينة دمياط، فدرس بها الفقه وأصوله وقرأ القرآن بالروايات، ولما شب عن الطوق وتطلعت همته العالية وطموحه إلى استكمال ثقافته الدينية رحل إلى مدينة الإسكندرية سنة 636 هـ، وكان عمره آنذاك 23 عامًا، والتحق هناك بالمدرسة السلفية.
وبعد أن أتم الشرف الدمياطى تعلم الحديث من أصحاب السلفى فى مدرسته، قدم إلى القاهرة حيث التقى بأستاذه الحافظ المنذرى شيخ دار الحديد الكاملية ، فتتلمذ على يديه وتعرف على الكثير من أصحابه وتلاميذه مثل القاضى عز الدين بن عبد السلام، ولما بلغ الـ30 من عمره، أدى فريضة الحج، فرحل إلى الحجاز عام 643 هـ، وظل هناك لمدة عامين ثم ارتحل إلى الشام عام 645 هـ، كما طوف ببلاد العراق والجزيرة، حيث تعلم على يد كبار المشايخ، حتى أصبح من كبار حفاظ زمانه، راسخًا فى الفقه نحويًا لغويًا محيطًا بالقراءات وامتاز فى الحديث، وأربى فى علم النسب على المتقدمين، فكان يناقشهم ويبين أخطائهم.
مشيخة المدرسة الظاهرية
ويقول كتاب "مساجد مصر وأولياؤها الصالحون": انتهى المطاف بالشرف الدمياطى فى القاهرة، حيث ولى مشيخة المدرسة الظاهرية فهو أول من درس الحديث بها، والمدرسة الظاهرية هى المدرسة التى أنشأها الملك السلطان الظاهر بيبرس البندقدارى.
ترك شرف الدين الدمياطى العديد من المؤلفات فى علم الحديث والفقة واللغة والتاريخ، منها الحديث جمع فيه أحاديث من رواياته، وجزء فيه أحاديث صحاح من أماليه، وجزء فيه أحاديث جمعها البرازيلى رواية عنه، وله كتاب فى فعل الخير الذى كان من رواته مؤرخ مصر تقى الدين المقريزى، كما له كتاب الأربعين المتباينة الاسناد فى حديث أهل بغداد جمع فيه 40 حديثًا عن أهل بغداد كما له معجم فى تاريخ يقع فى 4 مجلدات جمع فيه تراجم مشايخه.
توفى الشرف الدمياطى فجأة فى القاهرة بعد أن صلى عصر يوم الأحد 15 ذى القعدة عام 705 هـ، وكان قد ناهز التسعين من عمره، وودعته القاهرة توديعًا حافلًا. وكان أهل دمشق قد صلوا عليه صلاة الغائب، ودفن بمقبرة بباب النصر تعرف بمقبرة الصوفية.
ونستكمل في مقال تالٍ، سيرًا ذاتية لباقي ضحايا عشوائية القرارات.