تحرير العقل الوطني والجمعي
أمام غياهب الفكر الضال، يسطع نور العلم؛ فيضيئ لسالكي الطريق، وهنا تتزايد الحاجة إلى رجال الأزهر الشريف من الأساتذة والعلماء بل وحتى طلاب العلم في تلك المؤسسة العريقة؛ أملا في وضع الأمور في نصابها الصحيح. وفي هذا المعنى تلقى كاتب هذه السطور رسالة تضمنت إفادة علمية مفصلة من الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر الشريف، تحت عنوان «فريضة تحرير العقل الوطني والجمعي».
يقول أستاذ الشريعة في رسالته إن «أساس تجديد الخطاب الديني والقومي بموضوعية وواقعية وفاعلية تحرير العقل من أمراض مزمنة عالقة به، وأبشعها تغليف الباطل للجهلاء – وما أكثرهم – بغلاف ديني وغيره».
ويستشهد الرجل من كتاب الله بقوله تعالي: « لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ {2} كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ » من سورة الصف، « وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ» الآية 116 من سورة النحل.
التجارة بالأديان
وتابعت الرسالة، أنه: «وبالاستقراء فيما أصاب الناس من عطب فكري فإنّ التجارة بألقاب ونعوت وشعارات للترويج والتجنيد والتجييش لأدبيات مذهبيات وطائفيات وفرق عبر الأعصار والأمصار هى الداء والوباء»، ويقول الإمام ابن رشد –رحمه الله تعالى-: «التجارة بالأديان هى تجارة رائجة فى المجتمعات التي ينتشر فيها الجهل، فإذا أردت التحكم في الجاهل فعليك أن تغلف الباطل بغلاف دينى».
وأكمل أن: أول من عمد إلى شعارات للترويج والتبرير فرقة الخوارج حينما قالوا «إن الحكم لله وليس لعلي بن أبي طالب ولا لأصحابه»، وفرقة الشيعة التي تنادي بالإمامة المعصومة والغيبة والرجعة والتقية والبراءة، وطرق المتصوفة التي تنادي بأن الأولياء باب الوصول وأن الحقيقة هى الباطن الذى لا يصل إليه المصطفون الأخيار! وجماعات العنف السلوكي الحكم بالشريعة.
وواصل الدكتور كريمة قائلا: في الواقع الإسلامي المعاش: فرقة المتسلفة التي غلفت آراء المرجعيات المعتمدة لديهم ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب، على أنها سنة وسلف صالح. وجماعة الإخوان المسلمون التى تروج أستاذية العالم والبيعة للمرشد والجماعة.
ويكمل أستاذ الشريعة، أن الأمر لا يقتصر على المسلمين فحسب، بل يمتد إلى شرائع منها ما هو منسوب إلى السماء، ومنها ما هو وضعى، وإلى حركات تجافى الدين –أي دين سماوي– وتسعى لتهميشه مثل العلمانية والليبرالية وما ماثلها من دعاوى الحداثة والمعاصرة والعولمة.. الخ.
وحول خطورة ذلك يقول: إن تداعيات ذلك: تغرير بأغرار يخدعون بنعوت وألقاب ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، ومن ثم يتفرق المجتمع الإنساني إلى فرق ومذاهب وطائفيات «كل حزب بما لديهم فرحون» وما آل إليه العالم الإسلامى من مذهبيات رئيسة تحت كل مذهب مذهبيات أخرى: سنة، شيعة، إباضية، والعالم المسيحي من كنائس كبرى تحتها كنائس أخرى.
يأتي ذلك فضلا عن، مذاهب وضعية عديدة مثل: البابية والبريلوية، والبابليون، والبوذية، والدروز، والداروينوية، والروتارى، والروحية الحديثة، والسيخية، وشهود يهوه، والصابئة المندائيون، والصهيونية، والطاوية، والغرويدية، والقاديانية، والقرامطة، والكونغوشيوسية، واللوتيز، والمارونية، والماسونية، والمهاريشية، والمهدية، والمورمون، والمهدية، والنصيرية، والنوروسية، والهندوسية، والوجودية، ويهود الدونمة.. الخ.
واختتم أن: كلها لها شعارات التجنيد لأتباع وطقوس وأهداف، وأغلفة تسر الناظرين، والخلاصة أن ما سلف يحتاج إلى أعمال مضنية لعلها تخفف ما وقع فيه العقل الجمعي من أسر أفكار وأغلال القطيع وراء قواده.
إلى هنا انتهت رسالة الدكتور أحمد كريمة، بينما نحتاج أن نبدأ دراسة عميقة متأنية لواقع ما نعانيه من ضلالات فكرية باتت تؤرق حياتنا بين محاولات التمذهب وترويج التعصب من دون إعلاء لأعظم قيمة حفظها الدين وهي قيمة التسامح والتعايش وقبول الآخر؛ إن ما تتضمنه رسالة من معان يتطلب إزكاء الوعي بكل ما أوتينا من قوة والدفاع عن الإنسانية كقيمة هي أهم ما أراد الدين حمايته.. والله من وراء القصد.
khaledmattar53@gmail.com