جدل فقهي بسبب مسلسل فاتن أمل حربي.. اتهامات بالبعد عن الشرع.. والأزهر يدخل على خط الأزمة
أثار مسلسل فاتن أمل حربي حالة من الجدل على مدار الأيام الماضية وذلك بعد تناوله معاناة المرأة في مصر بعد الطلاق، وأبرز المشكلات التي تتعرض لها والمتعلقة بقوانين الأحوال الشخصية مثل الحضانة والولاية التعليمية على الأطفال.
وكانت إحدى الصور الخلاف التى خلقها المسلسل هو الجدل الفقهي حول قضايا الحضانة والرؤية، حيث اتهمت بعض الأصوات الأزهرية المسلسل بأنه يمثل خروج عن القواعد الشرعية والفقهية الصحيحة في تلك المسائل، وهو ما الأمر الذي دفع ماندو العدل مخرج المسلسل للرد على الأصوات التى اتهمته بأنه يدعوا خلال المسلسل إلى الابتعاد عن شرع الله، وتشويه صورة رجل الأزهر، موضحا أن المسلسل كاملا تم مراجعته من الدكتور سعد الدين الهلالي أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر.
سعد الدين الهلالي يدخل على خط الأزمة
بدوره قال الدكتور سعد الدين هلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، إنه راجع الموضوعات الفقهية التي طرحها مسلسل "فاتن أمل حربي" بتدقيق شديد، مؤكدًا أن "كل كلمة جاءت فيه مدروسة بعناية".
وأشار الهلالي في تصريحات له، أن المسلسل عالج قضية حضانة الأطفال ومن الأحق بالرؤية ووضحهما، وسأقوم بالرد على ما يثار على هذه القضايا الفقهية التي طرحها المسلسل بعد انتهاء عرضه، لافتا إلى ان المسلسل خلق جدلا خلال الفترة الماضية بسبب أحقية الأم في حضانة أولادها بعد زواجها، وكذلك الأحق في الرؤية بعد انفصال الزوجين.
وأوضح أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أن اختلاف الأزهريين حول القضايا الفقهية التي طرحها المسلسل، رحمة، فهناك قاعدة فقهية تقول "لا إنكار في المختلف فيه"، مضيفا: "حينما يكون هناك أمر فيه اختلاف فليس من حق أحد أن ينكر على الآخر اختياره، فكلما تعددت الأقوال كان ذلك ثراءً للمجتمع".
وتابع: "الإسلام الخاتم فيه مذاهب مختلفة ومتعددة "أبو حنيفة وبن مالك والإمام أحمد والشافعي" وكذلك في العصر الحديث يوجد مجمع البحوث الإسلامية ودار الإفتاء وهيئة كبار العلماء ولكل من هذه الجهة فقهها، وإذا تحدثت أي جهة منها عن رأيها في مسألة فقهية، لا يمكن أن ننكر عليها مخالفتها للجهة الأخرى، بل نوجه لها الشكر على ما قدمته".
وأضاف “الهلالي”: "دوري في مسلسل "فاتن أمل حربي" كان في الجانب الفقهي والتدقيق في الكلمات الفقهية المدروسة بحبكة علمية صحيحة".
وأشار هلالي إلى أن هناك متآمرون يريدون دائما إطفاء النور، فحينما يعرض مسلسل "الاختيار" دور واقعي لتنوير الناس تجد أن الأشرار لا يريدون هذه الدور اليوم، وكذلك الأمر في بعض المسائل الحقوقية والفقهية التي يجب أن تظهر للناس، هناك أشرار لا يريدون إظهار الحقوق للناس.
وأكمل “الهلالي” راجعت مسلسل فاتن أمل فقهيًا وأتحمل كل كلمة جائت فيه، وأتمنى أن يخرج أحد لنقد المسلسل نقدًا علميًا لأرد عليه بالحجج والبراهين، وآراء الفقهاء فقه بشرى تحتمل الخطأ والصواب".
أستاذ أزهري يرد علي الهلالي
بدوره رد الدكتور محمد إبراهيم العشماوي أستاذ الحديث الشريف وعلومه في جامعة الأزهر الشريف، على تصريحات الدكتور سعد الدين الهلالى حول المسلسل، وذلك عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي، والذي جاء كالتالي:
أولا: قوله: “بأنه راجع المسلسل فقهيا، ويتحمل كل كلمة فقهية قيلت فيه”؛ ليته لم يقله؛ فإنه يغض من قيمته، وقد عهدنا رجال الأزهر يراجعون المسلسلات الدينية والتاريخية، دون هذه المسلسلات التي تروج لأفكار مسمومة ضد الدين، ولم يقل إنه راجعه لكنا نستدل بمحتواه على أنه راجعه؛ فإن المسلسل يحوم حول نفس المشروع الذي يتبناه الدكتور الهلالي، وهو نسبية الدين، وهي نظرية كارثية بكل المقاييس.
ثانيا: قوله: (إنه يتمنى أن يخرج أحد لينتقد المسلسل نقدا موضوعيا؛ ليرد عليه بالحجج والبراهين)؛ قد خرجنا ورددنا عليه في بعض ما شاهدناه، ووصل إلينا علمه، وهو المشهد الذي تقول فيه الممثلة للشيخ: (أنا مش عايزة تفسيركم أنتم، أنا عايزة كلام ربنا)، وكما يدعي الدكتور الهلالي أن كلام الفقهاء يحتمل الخطأ والصواب؛ فكلامه أيضا يحتمل الخطأ والصواب، فلماذا يطالبنا باتباع كلامه، دون اتباع كلام الفقهاء؟! ومطالبته بالتحرر من سلطة الفقهاء، والرجوع إلى ما يستريح إليه الإنسان؛ يفضي إلى أن تكون هناك أديان شتى، بل أهواء شتى، ويجعل العوام بمنزلة الفقهاء، ويبطل المنهج العلمي؛ لتتحول الأمور إلى فوضى لا نهاية لها، وهو إلحاد صريح!
ثالثا: قوله: (آراء الفقهاء فقه بشري، يحتمل الخطأ والصواب)؛ كلام صحيح بنسبة مئة في المئة، ولم يقل أحد إنهم معصومون من الخطأ، وهم أنفسهم قد صرحوا بذلك، وقالوا: (رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب)، وقالوا: (رأينا هذا أحسن ما قدرنا عليه، فمن كان عنده أحسن منه فليأتنا به)، ولكن هذا لا يعني ترك اتباعهم؛ لأنهم اجتهدوا في فهم النصوص وهم أهل للاجتهاد، والأصل أن غير المجتهد يقلد المجتهد، وغير المتأهل يقلد المتأهل، لأن فهم النصوص يحتاج إلى آلات خاصة، لا توجد إلا في هؤلاء الفقهاء، والله قد أوجب الرجوع إليهم عند عدم العلم، فقال: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)، وأوجب الرجوع إلى استنباطهم دون غيرهم، وسماهم أولي الأمر، وقرن الرجوع إليهم بالرجوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم؛ لعلمه الذين يستنبطونه منهم)!
ولو فرضنا أننا تركنا الرجوع إليهم وهم خير القرون؛ فإلى من نرجع؟! إلى الدكتور سعد الهلالي؟! وما منزلته بالنسبة لهم؟! أو نرجع إلى إبراهيم عيسى أو إسلام بحيري؟! أو إلى العوام؟! هذا ما لا يقول به عاقل أصلا.
خامسا: قوله: (أرفض وصف القرآن بأنه دستور أو قانون؛ لأن ذلك ينتقص من قدره)؛ هذه تسميات اصطلاحية عصرية، ولا مشاحة في الاصطلاح، فسمه ما شئت، مما يعبر عن حقيقته، المهم أن تعمل به، وقد سماه الله نورا وهدى ورحمة وموعظة وبشرى وقرآنا وفرقانا وذكرا وضياء وصراطا مستقيما وغير ذلك من أسماء القرآن.
سادسا: قوله: (القرآن حمال أوجه، بينما الدستور والقانون أحادي الدلالة)؛ غير صحيح إلا فيما دلالته ظنية من نصوص القرآن، أما النصوص القرآنية ذات الدلالة القطعية فهي أحادية الدلالة!
سابعا: قوله: (يجوز أن نتوقف عن العمل ببعض آيات القرآن)؛ كلام صحيح، يشير به إلى وقف سيدنا عمر العمل بحد السرقة المنصوص عليه في القرآن عام الرمادة، ووقف العمل بسهم المؤلفة قلوبهم بعد استغناء الإسلام عنهم، ولكن هذا الأمر يعود إلى السياسة الشرعية، وليس تابعا للأهواء، ولا يعني إبطال الأحكام الشرعية أو إلغاءها بالكلية، بل يعني وقفها لحالة أو لظرف، ثم عودتها إلى العمل بعد انتهاء الحالة أو الظرف، مثلما يدرأ الحد بالشبهة، أو بعدم استيفاء شرط إقامته، فهذا لا يعني إلغاء الحد، بل يعني أن مناطه لم يوجد، بحيث إذا وُجد المناط أقيم الحد!
وما يهدف إليه مشروع الدكتور سعد - كما يبدو لنا - هو الوقف الكلي للعمل ببعض آيات القرآن الكريم؛ لعدم صلاحيتها للتطبيق في عصرنا، بزعمه، وفارق كبير بين الوقف الجزئي والوقف الكلي!
ثامنا: قوله: (المسلمون لا يحتاجون أوصياء عليهم)؛ هذا القول يردده الدكتور سعد كثيرا، في إشارة إلى وصاية الفقهاء والعلماء على المسلمين، وهو تصور خاطئ، مبني على وهم؛ فإن علاقة العلماء والفقهاء بالعوام ليست علاقة الوصاية، بل علاقة الهداية والإرشاد، وليس عليهم إلا البلاغ، والدكتور سعد يعلم ويدرِّس لطلابه أن الفتوى غير ملزمة، فمن أين جاء بفكرة الوصاية؟!
وأكد “العشماوي” أن فكرة الوصاية التي يرددها الدكتور سعد؛ هي فكرة كنسية بحتة، حيث كان رجال الدين المسيحي في العصور الوسطى أنصاف آلهة، وكانوا يفرضون على العوام الوصاية الفكرية والدينية، ولا يسمحون لأحد بالخروج عليها، ومن خرج عليها يعاقب، فهل يوجد مثل هذا عند علماء المسلمين؟!
خاصة أن واقع المسلمين يستفتون العلماء، فيفتيهم العلماء، وينتهي دورهم عند هذا الحد، فمن شاء عمل بالفتوى، ومن شاء لم يعمل بها، فأين الوصاية إذن؟!
مشيرًا أن ما يقوم به الدكتور سعد؛ هو نفسه وصاية فكرية؛ لأنه يشوش على المسلمين أمر دينهم، ويدعو إلى اتباع فكرته، في صورة منفرة!
وأكد الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر الشريف السابق، والمشرف على لجنة الفتوى الرئيسية في الأزهر، أن ما جاء في مسلسل “فاتن أمل حربي” عن الاستدلال على دليل سقوط الحضانة عن المرأة المطلقة حال زواجها يعد جريمة متكاملة الأركان، وذلك نظرًا لتغافلة عن أحد مصادر التشريع الإسلامي الأخرى بخلاف القرآن الكريم.
وفي الحلقة الخامسة من المسلسل ذهبت "فاتن" التى تجسدها الفنانة نيللي كريم لتأخذ فتوى حول حضانة الأطفال، والتقت بالشيخ "يحيى" والذي قام بتجسيده الفنان محمد الشرنوبي، وسألته عن "آية قرآنية" حول الحضانة، وليس تفسير العلماء وأهل الفقه وتشاجرت معه.
وكتب “شومان” عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”:"جريمة مكتملة الأركان، هل ورد هذا الحكم في القرآن صريحا؟منهج هدم للدين، فليس في القرآن عدد الصلوات ولا الركعات…فكر خبيث يجب التصدي له".
وأضاف “شومان”:"يا هذا التشريع لا ينحصر في كتاب الله، بل معه السنة والإجماع والقياس، ومصادر أخرى يعرفها العلماء لا الجهلاء".
مسلسل فاتن أمل حربي
ومسلسل "فاتن أمل حربي" من بطولة نيللي كريم، شريف سلامة، محمد الشرنوبي، خالد سرحان، محمد ثروت، هالة صدقي، فادية عبد الغني ومن تأليف إبراهيم عيسى ومن إخراج ماندو العدل.
ويعرض مسلسل "فاتن أمل حربي" على قناة cbc الساعة 7:35 مساء، ويعاد الساعة 12:40 بعد منتصف الليل، ثم 10:15 صباحا.