رئيس التحرير
عصام كامل

روسيا تتوسع ولا تستسلم

يدرك قادة روسيا أن أمريكا والغرب يستغلان أوكرانيا كمنطقة فاصلة بين الغرب وروسيا للتمدد على حدودها وتهديدها ثم اضعافها بطرق عدة، من هنا كان غزو روسيا لأوكرانيا التي ثبت بأدلة قاطعة أنها عميلة للغرب وأمريكا وإسرائيل باعتبار أن رئيسها زيلينسكي إسرائيليًا وكذلك كثير من وزراء الحكومة، وكان من أوائل المعترفين بالقدس عاصمة لإسرائيل.


أسفرت الأيام الأولى للحرب عن توثيق وتدمير مختبرات بيولوجية أميركية في أوكرانيا تصنع فيها الفيروسات وتدير من خلالها الحرب البيولوجية عالميًا كما جعلتها والغرب حديقة خلفية لتخرين النووي والأسلحة المحظورة، ورغم خطورة الأسلحة الفتاكة على العالم كله، إلا أنها أكثر خطرا على روسيا الملاصقة لأوكرانيا، لذا كان لزاما تدميرها وحماية البشرية منها.


لم تتحمل أمريكا فضح مؤامراتها فحشدت ومعها الحليف الأكثر شرًا بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي لدعم أوكرانيا بأكثر الأسلحة تطورا وخطط وتوجيه عسكري "أونلاين" وفتح باب التطوع وإرسال آلاف المرتزقة لمواجهة روسيا، حتى تمكنت من إيقاف تقدمها، واعترف الروس بخسائر بشرية وعسكرية في الحرب وصعوبة السيطرة على العاصمة كييف، واضطرت روسيا لإعادة هيكلة قواتها وأعلنت وسائل إعلام غربية عن تعيين الرئيس فلاديمير بوتن، جنرالا جديدا لقيادة الحرب في أوكرانيا، في مستهل شهر حاسم لإتمام سيطرة روسيا على الشرق الأوكراني وتحقيق مكاسب اضافية.


فسيقود الجنرال ألكسندر دفورنيكوف، مسرح العملية العسكرية في أوكرانيا بعد نجاحه في استعادة الأراضي السورية وبسط سيطرة الرئيس الأسد عليها بعد فقدانها لسنوات خلال الحرب الأهلية. ولم يمنع التحرك الروسي البطئ في أوكرانيا من استغلال روسيا انشغال الغرب بأوكرانيا، وسعت لزيادة نفوذها وتعزيز وجودها العسكري في الساحل الأفريقي خصوصا في مالي..

 

حيث تأسس تحالف بين النخبة العسكرية الحاكمة، ومجموعة عسكرية موالية لروسيا بعد تدهور علاقة مالي مع الغرب وتحديدًا فرنسا الحليف التقليدي، وأصبحت قيادة مالي تعتمد حاليا على القوة الروسية لتعزيز قبضتها وضمان التصدي لأي انقلابات محتملة.

محاولة إخضاع روسيا

 

وبمجرد وصول القوة الروسية ظهر معسكرها في محيط المطار الدولي بالعاصمة باماكو، وبناء قاعدة عمليات عسكرية في أكثر من موقع تكون مركزا للجنود لتسهيل انتشارها في مالي، وهكذا تتوسع روسيا أفريقيا، بعدما فرضت نفوذها وتواجدها في سورية وسيطرت على الموانئ لتديرها بمعرفتها فضلا عن قاعدتين عسكريتين.
   
تزيد أميركا والغرب من محاصرة روسيا بالعقوبات لتدمير اقتصادها وعزلها دوليا إلى جانب استنزافها عسكريا في حرب أوكرانيا، واستفزازها بتصريحات إعلامية متتالية، صحيح أن العقوبات مؤثرة لكن روسيا أمة صبورة لا تستسلم بسهولة وترد على الاستفزازات بحقائق يكشفها إما الرئيس بوتين شخصيا أو وزير الخارجية لافروف، الذي انتقد بشدة تصريح منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل بشأن حتمية الحسم العسكري للصراع في أوكرانيا، ووصفه بأنه خارج عن المألوف ويغير قواعد اللعبة بشكل كبير.

 

واعتبر لافروف أن تصريح بوريل، يؤكد أن اتخاذ كييف نقطة انطلاق لإخضاع روسيا، وهو انعطاف خطير يعكس الغضب والشراسة في نهج الاتحاد الأوروبي والغرب ككل تحت قيادة الولايات المتحدة تجاه روسيا، لكن الضربة العسكرية الروسية في أوكرانيا من شأنها وضع حد لنهج واشنطن في الهيمنة على العالم ووضع حد لتوسعها وتهديدها الساحة الدولية بأبشع انتهاكات للقانون الدولي، ووفق قواعد غامضة يطورونها على هواهم لبناء نظام عالمي جديد، لكن روسيا بتاريخها وتقاليدها لا تقبل أبدا أن تكون تابعة لأحد.

 

تركت روسيا باب المفاوضات مشرعًا رغم مراوغة وتغيير مواقف الجانب الأوكراني الذي يحركه ويوجهه أجهزة مخابرات غربية، واستمرت في الوقت نفسه بالتحرك العسكري حتى لو كان بطيئا، وهي تعد لقطع خطوط الإمداد إلى دونيتسك في دونباس، فيما تتشكل وحدات أخرى بعضها تم تكوينه حديثًا وبعضها أعيد هيكلته للتقدم نحو لوغانسك من خاركيف لاستكمال التطويق، ويتوقع الغرب تركيز الهجوم على شكل "منجل" في شرق أوكرانيا حيث استولى الانفصاليون الموالون لروسيا والقوات الروسية على الأراضي هناك لإحكام القبضة والسيطرة على شرق أوكرانيا كاملا.

 

 

قابل الغرب إعادة هيكلة وتموضع القوات الروسية لبدء عملية جديدة في الشرق الأوكراني، بالترويج الإعلامي إلى أن الهجوم الروسي سيؤدي إلى تفكك روسيا مثلما حدث مع الاتحاد السوفياتي في السابق، وإن كانت روسيا تأمل في تعزيز نفوذها وتواجدها الدولي بغزو أوكرانيا مثلما حدث بعد غزوها المجر منتصف الخمسينات والتشيك نهاية الستينات، فإن الأقرب في ظل دعم الغرب كله لأوكرانيا هو إعادة سيناريو الحرب السوفياتية في أفغانستان نهاية السبعينات التي أعقبها تفككه إلى جمهوريات مستقلة من بينها روسيا وأوكرانيا، خصوصا أن العقوبات الدولية وعدم وجود حليف قوي يساند روسيا، ستؤدي إلى انكماش اقتصادي كبير وخسائر فادحة من شأنها دفع جمهوريات روسيا إلى المطالبة بالاستقلال. 

الجريدة الرسمية