فاتن أمل حربي.. تفصيل الشخصية على مقاس الهدف
خريجة كلية الحقوق وتجهل القانون وكأنها منقطعة عن العالم الحقيقي والافتراضي معا، رغم أنها موظفة في وزارة تدير المحاكم، تزوجت دون قائمة منقولات مكتوبة بصيغة أمانة لدى الزوج!. تحتفل بطلاقها بالرقص مع صديقاتها، لكنها لا تعرف حقها في الولاية التعليمية وقرارات التمكين من مسكن الزوجية ثم مسكن الحضانة، وعدد القضايا التي يمكنها رفعها على طليقها حتى قبل وقوع الطلاق نفسه، وقبل كل ذلك لا تجدها ذات علاقات مع زملائها بقطاعات أخرى بذات الوزارة حيث يمكنها الإطلاع على طريقة تطليقها من زوجها بإعلانات "أمريكاني" دون علمه أو حضوره أو استرداده مهوره مستغلة ثغرات في قانون درسته بالجامعة.
هذه الشخصية الساذجة فاتن أمل حربي صنعها مؤلف العمل الدرامي الرمضاني لتحمل صاحبتها آمالا عريضة في تغيير جديد للقانون دون أداء يقنعني بأنني أمام ممثلة تعيش عن جد ووعي الواقع أو حتى الشخصية المفصلة لغاية بعينها، أو أن العمل ذاته صنع لمخاطبة من يعيش في هذا البلد.
وفي المقابل اختار نموذجا مركبا لذلك الزوج الطاغي الكيوت، سيف، الذي يريد فرض الحجاب على طفلتيه دون زواجه من امرأة محجبة بالأساس!!، وتظهره الأحداث أنه ابن أمه غير متحمل لأية مسئولية تجاه ابنتيه، مستعينا بنموذج أم الأب الحرباية التي تمسك بزمام الأمور المادية بالأخص في حياته، ويبدو أن صبغها بسمات أطاطا أم الزوجة التي تروج لها صفحات السوشيال ميديا للمطلقين، كان ضروريا لتضع أمام متلقي العمل أسوأ النماذج والصفات التي يمكن أن تبني عليها هدفا جديدا بتحقيق مكتسبات لفئة على حساب أي طرف، أو على حساب المجتمع نفسه.
تشويه الزواج
هكذا أم الزوج التي لا تستحق رؤية أحفادها في الواقع التشريعي والمجتمعي المأزوم بحسب أنها من لم تحسن تربية ابنها والدليل عدم استمرار بيته مستقرا كما تبرر كاتبة وناشطة نسوية وعضو مجلس نسوي كبير في أحد برامج مناقشة الأزمة الواقعية.
وهكذا في المسلسل تجد عبارات بسيطة تحدد مستوى السذاجة والاستخفاف بالعقل وردت على لسان أمل يمكنك معها استكشاف مستوى كاتبه ونواياه، ومراجعيه وأهدافهم، والجهات والشخصيات الواردة أسماؤها على التتر مقترنة بعبارات الشكر، وكأن القصة كلها بنيت على "اتجوزني كرها في العزوبية وتزوجته كرها في الدنيا"، و"اللي شوفتيه مع طليقك كوم واللي هاتشوفيه مع المحامي كوم تاني".
عناوين لهدف صريح تذهب إليه دراما نسوية ربما تكون نتيجته تشويه إضافي للزواج بأعين جيل جديد يرى بعضه في تجارب الآخرين مالا يجعله يميل لتكوين أسرة، وفي كل الظروف تجد التشريعات السبب الأول في خلق حالة مرفوضة من عدم الاستقرار يريد المتعقلون زوالها ومحوها، وتريد كيانات وشخصيات داعمة للشقاق زيادة مكتسباتها من بقائها، بجانب الأعراف المجتمعية والتشدد والصراع العائلي الذي باتت الجرائم الجنائية ترجمة طبيعية له، وكأننا في مجتمع تنقصه الأزمات.
ربما على أثر نموذج سيف وهو التطور الطبيعي لنسخة عدي الصامت تجاه أنتمة شقيقته بفيلم مرجان أحمد مرجان، يصنع الكاتب صورة للرجل "الدلدول" ويعتبره الأكثر ثراء بصفاته الاتكالية، متى أراد إبراز شخصية مهتزة لم يفلح في تركيبها بدقة ليقدمها نموذجا للمطلقة الضحية، فافتتحت حلقات المسلسل بمشهد الطلاق دون تقديم أية أسباب واضحة ومقبولة له أو خلفيات عن علاقة زواج استمرت لنحو 10 سنوات، رغم أن تفاهة الشخصيتين تتطابق مع مطلقين متهمين بنقص الخبرة الحياتية فقضوا مدة قصيرة في الزواج مثلا أو خضعوا لتدخلات آخرين في شئونهم فانهار مشروعهم.
كراهية مجانية
تجميل صورة المطلقة الضحية بدراما نسوية تجد معه النموذج الساذج الذي يتعرض لظلم بين هو نفسه الطيب الرافض لتشويه صورة الأب الظالم في عيون طفلتيه، وكأن من قام بتركيب الشخصية هذه ينكر حقيقة أن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة أو يتجاهل تشريعات قد تخرج رجلا من بيته بعد الطلاق مرتديا ملابسه الداخلية، وأن الحضانة الأبدية مع نظام الرؤية الكارثي تولد كراهية مجانية بالضرورة وربما تصنع من الطرف الحاضن شيطانا، أو أن الهاتف بيد بطلة العمل لا يمكنها من دخول جروب نادي السيدات السري الأصلي مثلا لتتعلم ما يمكن أن تفعله بالمدعو سيف.
أربع حلقات من مسلسل تعاونت لظهوره جهات وشخصيات يمكن لأي مشاهد مراجعة التتر ومطابقة دور كل منها في الواقع المأساوي الذي تحياه أسر الطلاق في المحاكم إذا ما استطلع آراء أصحاب المشكلات على السواء، ثم تأمل حالة الاسترزاق الدرامي علي حساب الضحايا عبر ما يسمى بعمل فني.
مواقف متناثرة في حياة "تونة" المعنفة، واقع جديد صعب داخل دار رعاية، ملاحقة رجل لها بنظرات وكلمات الإعجاب وطلب الزواج في ظل ظروف نفسية ضاغطة، شلة مدمرات نسوية تضم فاقدة لوجود الزوج وصاحبة سبع خطبات وبينهما شاكية من عنف تتلقى نصائح الكبيرة بالطلاق قبل التورط في الإنجاب، ووسط هؤلاء مطلق يلاحق البطلة أم طفلتيه بكلمات غزل لا تتفق ومخارج ألفاظه أو ملامح وجهه التي توحي لك بأنك أمام شخص يتعاطى المخدرات.
صدة النفس التي قد تصيب رافضين لشخصيتي فاتن أمل حربي وسيف ربما تتطور لتفقد كثيرين الشعور بقيمة العمل الفني، طالما تحولت الدراما إلى سوق يعتمد منتجوها فكرة اللي تكسب به إلعب به، فالدراما التي تستهدف بها التأثير على استقرار الناس وتعزيز الصورة الذهنية لمشروع مشوه عبر عمل موجه، لا يمكن أن تقنع متعقلين بقيمة حقيقية لها، ولو نتج عنها شيطنة بشر، أو تغيير تشريع ليضيف إلى الواقع ما هو أسوأ إبتغاء لمكتسبات شريحة معلومة وتصنيف مجتمعي يهدم مبدأ التكامل بين الرجل والمرأة، ولسنا هنا في محل حكم على عمل لم تكتمل حلقاته، لكنه يقينا لا يبشر إلا بنتائج ليست ببعيدة عن أهداف أصحابه.