ليالي الفن في رمضان.. الريحاني يقاوم مقص الرقيب.. وسلطانة الطرب بعبع الإنجليز وملجأ حكومة الثورة
لم يكن ارتباط المصريين بشهر رمضان الكريم ارتباطا دينيا وروحيا خصوصا وأنه شهر الصوم أحد أركان الإسلام الخمسة فقط وإنما ارتبطوا به سياسيا واجتماعيا وفنيا، حيث شهد شهر رمضان الكريم ملامح تغيير مستمرة سواء ما طرأ على المجتمع المصري بعد الثورات من ظواهر اجتماعية أو ارتفاع أسعار السلع أو ما حدث فى حركة النشاط الفنى وتأثيرها فى المجتمع.
وعلى مدار عدة حلقات نستعرض سويا أحداث ومشاهد وأزمات ارتبطت بهذا الشهر الفضيل فى العصر الحديث.
رمضان والفن
ارتبطت حركة النشاط الفنى والمسرحى وبليالى شهر رمضان، فكان الفنانون أول من استفادوا بإعادة السماح بالسهر وفتح المقاهى والمسارح فى ليالى رمضان بعد أن كان ذلك محرما بموجب الأحكام العرفية بعد اندلاع ثورة 1919، فلم تحل الثورة دون نشاط الفرق الفنية وخاصة المسرحية والغنائية ن وذلك حسب المؤرخ عبد الرحمن الرافعى.
وعلى الرغم أن المسارح كانت تعانى من التضييق خلال الحرب العالمية الأولى وكان الرقيب يتدخل فى مضمون الرواية المعروضة ليحذف بعض الفصول منها ويخل بمضمونها، إلا أنه استطاع عدد من الفنانين التحايل على ذلك أمثال نجيب الريحانى وعلى الكسار ومنيرة المهدية الذين كانوا لهم مسارح خاصة بهم.
ليالى نجيب الريحانى فى رمضان
المطالع للصحافة المصرية خلال تلك الفترة، يجد أن الفنان الكبير نجيب الريحانى كان يقدم عروضه المسرحية طوال شهر رمضان ن وتبين ذلك من خلال الإعلانات المنشورة يوميا، وبسبب النبرة الوطنية الرنانة فى روايات نجيب الريحانى، تم مصادرة رواية " قولوا له " ومنها من العرض بعد قرار مستر هورنيلو مدير الأمن العام فى ذلك الوقت، وحاول الريحانى جاهدا للإفراج عن تلك المسرحية والسماح بعرضها فى أولى ليالى رمضان.
منيرة المهدية وثورة 1919
كان من الفنانين الأكثر حظا والفاعلين فى تلك الفترة المطربة منيرة المهدية والملقبة بـ " سلطانة الطرب " فكانت هى أيضا تقدم حفلات شبة يومية فى أول رمضان بعد ثورة 1919 والتى كانت تعلن عنها الصحف آنذاك.
وتكشف الدكتورة رتيبة الحفنى عن تجربة منيرة المهدية الوطنية والتى وصفتها بالاستثنائية، فتقول " كانت منيرة المهدية تتمتع بشخصية قوية قيادية، واستطاعت أن تلعب دورا سياسيا مهما طوال فترة 1919، تارة بأغانيها القومية، وتارة أخرى بعلاقاتها الشخصية مع كبار رجال السياسة فى مصر.
سلطانة الطرب بعبع الإنجليز وملجأ حكومة الثورة
وعلى الرغم من أن مصر كانت تمر بفترة عصيبة، حيث اخرس الانجليز كل الألسنة وراقبوا الصحف وأغلقوا المسارح، إلا أن أنهم لم يستطيعوا الوقوف فى وجه منيرة المهدية سلطانة الطرب، وكانت السلطات الإنجليزية تحسب لها ألف حساب، فقد صدر قرار بإغلاق المقاهى والمسارح منعا للتجمع ولكن استثنى من ذلك مقهى " نزهة النفوس " حيث كان مسرح منيرة المهدية ملجأ لكل الأحرار الوطنيين وكبار رجال الدولة من الوزراء ورؤساء الحكومة.
ولم تخش أبدا منيرة المهدية السلطات الانجليزية حيث غنت الأهازيج الوطنية التى تحث على الانتفاضة الوطنية ولم الشمل الوطنى، أيضا كانت عوامة منيرة المهدية مأوى للوزراء أيام الاحتلال، فتقول سلطانة الطرب " عندما كانت تتعقد الأمور.. كان حسين رشدى باشا رئيس وزراء مصر يجتمع بوزرائه فى عوامتى فلم يخطر ببال أحد أنهم هناك بعدما أصدرت بريطانيا قرارا بمنع التجمعات، فاجتمعت الوزارة عندى ويمكن اعتبار هذه الجلسة الشرارة الأولى للأحداث التى مهدت لثورة 1919 ".