يومٌ لجبر الخواطر
جَبر الخواطر.. خلقٌ إسلاميٌّ عظيمٌ، يُجبرُ الإنسانُ فيه نفوسًا كُسرتْ وقلوبًا فُطرتْ وأجسامًا أُرهقتْ. فما أجملَ هذه العبادة وما أعظمَ أثرَها. يقولُ الإمامُ سفيانُ الثوري: "ما رأيتُ عبادة يتقربُ بها العبدُ إلي ربه مثلَ جبر خاطر أخيه المسلم".
ومما يعطي هذا المصطلح جمالًا هو أنَّ "الجبرَ" كلمةٌ مأخوذة من أسماء الله الحُسنى وهو "الجبَّار"، وهذا الاسمُ -بمعناه الرائع- يُطمئنُ القلبَ ويريحُ النفس، فهو سُبْحَانَهُ الذِي يَجْبُرُ الفَقرَ بِالغِنَى، والمَرَضَ بِالصِحةِ، والخَيبةَ والفشلَ بالتوفيق والأَمَلِ، والخَوفَ والحزنَ بالأَمنِ والاطمِئنَانِ، فَهُوَ جَبَّارٌ مُتصِفٌ بِكَثْرَةِ جَبْرِهِ حَوَائِجَ الخَلَائِقِ.
وجبرُ النفوس.. من الدعاء الذي كان مُلازمًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ النبي صلي الله عليه وسلم كان يقولُ بين السجدتين: "اللهمَّ اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني". لقد عاتب اللهُ نبيه محمدًا-صلى الله عليه وسلم- لأنه أعرضَ يومًا عن "ابن أمِّ مكتوم"، وكان أعمى، عندما جاءه سائلًا مُستفسرًا: علمني مما علمك الله، وكان النبي –عليه الصلاة والسلام- مُنشغلًا بدعوة بعض صناديد قريش، فأعرضَ عنه، فأنزل الله: "عَبَسَ وَتَوَلَّى، أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى، أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى". يقول "القرطبي": "فعاتبه الله على ذلك؛ لكي لا تنكسر قلوب أهل الإيمان". لقد كان جبر الخواطر أعظم صفة يحبها الرسول الكريم، والسيرة النبوية تذخر بكثير من المواقف الدالة على ذلك.
كسر الخواطر
من العبثِ.. أن يكون السلوك العام الذى يحكمُ تصرفاتنا -كما يحدث في السنوات الأخيرة- هو: التفننُ فى كسر الخواطر، فيتطاول مَن يظن نفسه كبيرًا على من يراهم أدنى منه جاهًا أو مالًا أو منصبًا، ويتخذهم سخريًا، أو يتعمد تجريحهم وإهانتهم وإشعارهم بالدونية، أو يتجرأ القوي على الضعيف، والسليم على المريض، هذا يحدثُ على مدار الساعة، لا يجبُ أن ندفن رؤوسنا فى الرمال، أو نكذب لنتجملَ، أو ندَّعى أننا مجتمع من الملائكة الأطهار الأبرار، أو مجتمعٌ متدينٌ بالفطرة. منصَّات التواصل الاجتماعي خيرُ شاهد على تردي سلوكيات كثير من المصريين.
تعالوَا نطوي صفحاتِ الماضى الأليم بكل سوءاته، مزِّقوها، اعتبروها كأن لم تكن، ولنهذِّبْ أنفسنا ونضبطْ مساراتِها ونُعدْها إلى طريق الرشاد، ونحذفْ من قواميسنا اليومية عبارات السخرية والازدراء والاحتقار والإهانة. كونُك ثريًا أو نافذًا لا يمنحُك الحقَّ فى إهانة مَن هم دونك، فلكلِّ شيءٍ إذا ما تمَّ نقصانُ، فلا يُغرُّ بطيب العيش إنسانُ، هي الأيامُ كما شاهدتها دُوَلُ، مَن سَرَّهُ زَمنٌ ساءَتهُ أزمانُ، وهذه الدارُ لا تُبقي على أحدٍ، ولا يدومُ على حالٍ لها شانُ. اجعلوا الرفق شعارًا لكم فى الحياة، وجبر الخواطر منهاجًا.
اجبروا خواطر كل من حولكم: فى البيت وفى العمل، وفى الشارع، ولو بالكلمة الطيبة. إياك أن تتوهم إن إذلال خادمك أو حارس عقارك، أو بائع متجول، أو أى إنسان لم تنصفه الأيام، بطولة أو نصرًا مبينًا، بل هى الخسَّة والنذالة فى أقبح صورها، والدليل البيِّن على أنك تحتاج إلى كونسلتو من الأطباء النفسيين!
كم أتمنى على وزيرة التضامن الاجتماعى الدكتورة نيفين القباج بصفتها، أن تتبنى تحديد يوم لـ"جبر الخواطر"، يكون عيدًا للمصريين من كل عام، يتسابقون فيه إلى جبر خواطر الفقراء والمرضى والمشردين والضعفاء وقليلى الحيلة ومَن تقطعتْ بهم الأسباب والسبل وضاقت عليهم الأرضُ بما رحبت، وما أكثرهم بسبب التقلبات الاقتصادية والاجتماعية الحادة، وفى مثل ذلك فليتنافس المتنافسون.
وأتمنى أن يشهد هذا العيد فى كل عام، تكريم عدد من الشخصيات البارزة فى العمل الإنسانى النبيل، ممن لا يبحثون عن شهرة ولا يراؤون الناس، فضلًا عن تكريم شخصيات أخرى، من عوام الناس، تكون قد أنجزتْ خيرًا فى هذا المضمار. ربما لو تم تحديد عيد لـ “جبر الخواطر” نكونُ قد أنجزنا شوطًا كبيرًا فى إعادة الشخصية المصرية إلى عهدها القديم، ونجحنا فى إصلاح ما أفسدته الأيام، وتهذيب السلوك العام وإعادته إلى مسار الصحيح بعدما ضل الطريق.