أوله رحمة
الرحمة: إرادة إيصال الخير، وهى تستدعى مرحوما، وهى محبة للمرحوم، وهى سبب واصل بين الله - عز وجل - وبين عباده، بها أرسل إلى عباده رسله، وأنزل عليهم كتبه، وبها هداهم وبها يسكنهم دار ثوابه، وبها رزقهم وعافاهم وأنعم عليهم، فبينهم وبينه سبب العبودية، وبينه وبينهم سبب الرحمة، وهى صفة تقتضى إيصال المنافع والمصالح إلى العباد، والرحمة الحاصلة للمهتدين تكون بحسب هواهم، فكلما كان نصيب الواحد من الهدى أتم كان حظه من الرحمة أوفر، وهذه الرحمة المقارنة للهدى في حق المؤمنين رحمة عاجلة وآجلة، فأما العاجلة فيما يعطيهم الله- سبحانه - في الدنيا من محبة الخير والبر وذوق طعم الإيمان ووجدان حلاوته، والفرح والسرور والأمن والعافية، قال الله- عز وجل - «قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون» - سورة يونس - فأمرهم ربهم تبارك وتعالى - أن يفرحوا بفضله وبرحمته، فهم يتقلبون في نور هداه ويمشون به في الناس، ويرون غيرهم متحيرًا في الظلمات، فهم أشد الناس فرحًا بما آتاهم ربهم من الهدى والرحمة.
من رحمة الله - جل شأنه - قبول التوبة والعفو عن العاصين، وإرسال الرسل وإنزال الكتب السماوية، وثواب المؤمنين والصابرين، وهى رحمة شاملة للناس في الدنيا، خاصة بالمؤمنين في الآخرة.
يجب على المؤمن الاستمرار في طلب الرحمة وبذل المجهود لنيل المقصود، وقد ذكرت الرحمة في القرآن الكريم فى مائة وتسع وتسعين آية، وفى الأحاديث النبوية نحو سبعة وخمسين حديثًا نبويًا، وثمانية آثار، ومن يمن الطالع وحسن الاستهلال مع آوائل وبدايات شهر رمضان « أوله رحمة ففيه إقبال الله - الرحمن الرحيم - عليهم بالرضا والوعد بجزيل المثوبة، ومعونته لهم بتيسير القيام بالعبادات والطاعات والقربات، وسعة الأرزاق، وسوق الهدايا الإلهية، والعطايا الربانية، وتوفيقهم للتراحم فيما بينهم من بذل السلام والتهانى، والبشر وعظيم الأمانى، والإحسان إلى ذوى الحاجات بالإعانة والإغاثة، والتكافل والتآلف والتكاتف والتواصل وكلها صور رحمة العباد فيما بينهم وهى من توفيق الله لهم في شهر مبارك «أوله رحمة» بإخبار سيد الصائمين سيدنا محمد صلوات الله عليه وآله وأصحابه أجمعين إلى يوم الدين.