رئيس التحرير
عصام كامل

الأسعار.. القادم أسوأ

للأسف أن كل الشواهد تؤكد أن الأيام القليلة القادمة سوف تشهد زيادة جديدة ومتوقعة فى أسعار كل السلع الأساسية فى مصر، بحكم الانعكاسات السلبية للصراع بين روسيا وأوكرانيا على الأسواق العالمية، والتى قد تدفع الحكومة جبرا إلى رفع أسعار كثيرا من السلع، فى محاولة للسيطرة على الفروق المالية الضخمة بين ما هو مدرج بالموازنة العامة للدولة والأسعار العالمية الجديدة.

 

فبنظرة سريعة على تأثير الحرب الروسية - الأوكرانية على مصر، نجد أن الحكومة قد تضطر خلال أبريل القادم إلى رفع أسعار المواد البترولية مرة أخرى، نتيجة للقفزة غير المتوقعة فى أسعار البترول بالأسواق العالمية والتى تجاوزت ضعف السعر الذى حددته الحكومة في موازنة العام الحالي ب 60 دولارا، مما قد يدفعها إلى اللجوء للبرلمان لطلب اعتماد إضافي، وزيادة أسعار كافة المنتجات البترولية، لتقليص العجز بين السعر العالمى وما هو مدرج بالموازنة، وهو ما سيؤدى بالتبعية إلى ارتفاع أسعار كافة السلع بالأسواق المصرية نتيجة لارتفاع تكلفة الإنتاج والنقل.

 

وعلى الرغم من اتجاة الحكومة إلى تنويع مصادر استيراد القمح من 14 دولة مختلفة خلال العامين الماضيين، إلا أن الأرقام تؤكد أن الحكومة قد اعتمدت على روسيا وأوكرانيا فى توريد نحو 80% من الاحتياجاتها من القمح والحبوب حتى العام الماضي، حيث جلبت نحو 50% من وارداتها من القمح من روسيا و30% من أوكرانيا نظرا لانخفاض أسعار الاقماح الواردة من الدولتين.

 

عجز الموازنة

 

غير أن وقف الواردات من دولتى الصراع، وارتفاع أسعار القمح فى الأسواق العالمية إلى مستوى 344 يورو للطن الواحد، سوف ينعكس بالسلب أيضا علي الموازنة التى حددت تكلفة الدعم القمح ورغيف العيش ب 87 مليار جنيه.

 

الواقع يقول أن اشتعال الصراع بين روسيا وأوكرانيا قد وضع الحكومة المصرية فى مأزق يفرض عليها ضرورة تدبير اعتمادات إضافية لتلبية احتياجات البلاد من القمح، ورغم رسالة الطمأنينة التى بعثت بها على لسان وزير التموين، والتى أكدت امتلاك البلاد لمخزونا استراتيجيا يكفي ل 9 أشهر قادمة، إلا أن واقع الأسعار العالمية دفعها إلى العودة والاعتراف صراحة بعدم امكانيتها شراء القمح بالأسعار السابقة، مما قد يدفعها لاصدار قرار سريع برفع سعر رغيف الخبز المدعم الذى يعتمد نحو 70 مليون مصري عليه كأسس فى غذائهم اليومى.

 

للأسف الواقع يقول أن أزمة الحرب بين روسيا وأوكرانيا وما صاحبها من ارتفاعات فى الأسعار العالمية، جاءت بعد أقل شهرين تقريبا من موجة التضخم الخانقة التى ضربت العالم بفعل جائحة كورونا، وما صاحبها من ارتفاعات كبيرة في أسعار السلع الأساسية فى الأسواق العالمية، والتى أضرت بالاغلبية العظمى من المصريين الفقراء.

 

غير أن الواقع يفرض على الحكومة عدم الاقتراب من صلب حياة الفقراء، وضرورة البحث عن موارد جديدة لتقليص العجز فى الموازنة بعيدا عن المساس بالأسعار، ولاسيما وأن أزمة الحرب ليس كلها خسائر، بل ستعود على الموازنه بموارد إضافية، نتيجة لارتفاع أسعار صادرات الغاز الطبيعي التى وصلت عائدتها خلال الربع الأول من العام الحالي إلى نحو 564 مليون دولار، وارتفاع عائدات الصادرات المصرية من المواد البترولية خلال الربع الأول من عام الحالى أيضا إلى 1،819 مليار دولار.

 

كما تستطيع الحكومة تدبير موارد جديدة لتقليص العجز فى الموازنة من خلال قرارات صارمة بتطبيق الحد الأقصى للاجور، وتقليص ما يتقاضاة الصفوة من رواتب وحوافز ومكافآت تصل لملايين الجنيهات شهريا، والحد من التهرب وضم الاقتصاد غير الرسمى الذى يتجاوز تريليونات الجنيهات إلى الاقتصاد الرسمى، واستخدام المبالغ المدرجة في الموازنة تحت بند الاحتياطي، مثل ال 10 مليارات جنيه المدرجة كاحتياطى فى باب الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية، و51،1 مليار جنيه المدرجة كاحتياطى فى باب الأجور، و4،8 مليار جنيه المدرجة كاحتياطى فى باب شراء السلع والخدمات، و9،8 مليار جنيه المدرجة كاحتياطى أيضا فى باب الاستثمارات، وجميعها مبالغ ضخمة من الممكن أن تساعد في استيعاب الأزمة.

 

 

أتمنى أن تكون الحكومة عند مستوى الازمة، والتفكير خارج الصندوق، وعدم المساس ب الفقراء الذين اثقلت أعباء تقليص دعم المواد البترولية والكهرباء والمياه، ورفع أسعار كل الخدمات كاهلهم منذ بدء برنامج الإصلاح الاقتصادى فى عام 2016 حتى اليوم، لم يعد بمقدورهم تحمل المزيد.. وكفى.

الجريدة الرسمية