رئيس التحرير
عصام كامل

مصر تبتسم


منذ أن اخترق شعاع الحضارة البشرية ظلمات فجر تاريخ الإنسانية ولا يوجد علي المسرح العام سوي الإنسان المصري ساكن وادي النيل صاحب العقيدة الراسخة والإيمان المتجذر بضرورة استقرار وتوحيد المجتمعات البشرية، فقد تبني كهنة مصر القديمة رسالة توحيد المجتمع المصري وأخذوا علي عاتقهم تحقيق هذا الحلم السرمدي ولكن موازين القوة الاجتماعية وضراوة قوة الشر المسيطرة علي البشر كان لها دائماً رأي آخر فأخذ الصراع ينمو ويتعمق لفترة طويلة من الزمن وتحت وطأة هذا التناحر بدا ميلاد الحلم الذهبي للملك نارمر ( مينا ) في أن يوحد أرض وادي النيل إلى الأبد، وقد ساهم وادي النيل بطبيعته الساحرة في تأصيل هذه الفكرة وتبلورها حتى نضجت واكتملت مع بدايات الألف الثالثة قبل الميلاد، وهنا كان ميلاد أول جيش نظامي تعرفه الإنسانية على وجه الإطلاق وتم تدشين الثوابت والرواسخ الرئيسية التي يقوم عليها هذا الجيش وهي التوحيد وشرف وقدسية تراب أرض وادي النيل العظيم، فانطلقت بطولات الجيش المصري على مسرح التاريخ تكللها عقيدة التوحيد وحقن الدماء.


وهذا ما يتمايز به جيشنا عن باقي جيوش الأمم فلم يكن الصراع والنفوذ هما المحركان له كباقي جيوش العالم القديم بل كان هو الأشرف والأسمي هدفا، وبعد أن تم توحيد مصر انصهر شرف الجندية في نسيج الوعي العام للمجتمع المصري وأخذ ينتقل من جيل إلى جيل يسطر الأمجاد ويعلي من شرف وسمو عقيدة المحارب المصري الذي هو حليف قوة الخير منذ فجر التاريخ، ثم بدأت عجلة الزمان تدور وطواحين الأيام تعصف بمصر صعودا وهبوطا لثلاثة آلاف عام متواصلة سجل فيها الجيش المصري إنجازات وبطولات وتضحيات عبرت بمصر عبورا سالما من الملك مينا والقائد الخالد أحمس إلى رمسيس الثاني وتحتمس.

وحينما اجتاحت العالم ظاهرة الجيوش المرتزقة، لم يكن لجنود مصر الأشراف أي تواصل مع هذه الظاهرة بل عاد الجيش المصري الوطني منصهرا في نسيج المجتمع المدني منذ سقوط كليوباترا وحتي عصر محمد علي باشا أكثر من ١٨٠٠ عام دفنت فيهم روح الجندية الوطنية مع كنوز وأسرار حضارة مصر القديمة، واللافت للنظر أن عودة الحياة مرة أخري للجيش المصري تزامنت مع بدايات فك رموز حضارة مصر القديمة في الربع الأول من القرن التاسع عشر، فقد عادت الحياة للفارس الجسور من جديد فصعد على مسرح التاريخ وأخذ يعزف ببراعة ويسطر أمجاد محارب وادي النيل فتحول في أقل من ٢٠ سنة إلى قوى عظمى في العالم لها من الهيبة الكثير.

ومع مشارف الربع الأخير من القرن العشرين تفجرت براعة الجندي المصري وعظمة الروح المصرية وأزهلت العالم بالعبور الأول في أكتوبر ٧٣ ، واليوم أيضاً بهت العالم أجمع من هذا الجيش الذي لبى نداء المصريين في لحظة فريدة تاريخيا وعبر بمصر العبور الثاني فاتحا عهدا جديدا سوف نرى فيه مصر تبتسم وتحتضن الجميع.

والآن دعونا نقف أمام السر الكامن خلف عظمة هذا الجيش، إنها روح مصر الساكنة في أعماق كل من ولد في أرض وادي النيل هي التي تمدنا بالشعور العام والفطرة المصرية وتشعرنا دائماً بالسلام، فلنستكمل المشوار ونسلم إلى الأجيال القادمة هذا السر العريق الحافظ لوحدانية تراب أرض وادي النيل منذ فجر التاريخ وحتى يومنا هذا.
الجريدة الرسمية