شتائم الرؤساء.. هناك وهنا !
هل يشتم الرؤساء بعضهم البعض؟ ما حدود اللسان الرئاسى عند الغضب؟ هل هناك رئيس مؤدب مهذب عف اللسان وآخر لسانه طويل وبذئ ولاذع ؟
لايزال الرئيس الأمريكي بايدن في وصلة سباب موجهة إلى الرئيس الروسي بوتين قبل إندلاع حرب أوكرانيا وصف بايدن نظيره بوتين بمجرم حرب.. واحتجت روسيا والأمور عدت.. ومع الغزو الروسي لأوكرانيا و انخراط واشنطن في محاربة روسيا بالسلاح والمال والتحريض والتضليل الإعلامى، أخذ لسان بايدن في الاستطالة، فأطلق علي بوتين ألفاظ الجزار والبلطجى والدكتاتور..
ثم كانت آخر تصريحاته سببا في إطلاق البيت الأبيض سلسلة من التوضيحات. فقد قال بايدن في رحلته الأوروبية دعما لأوكرانيا: هذا الرئيس لا يمكنه البقاء في حكم روسيا. على الفور اعتبرت موسكو تصريح بايدن دعوة لتغيير النظام، واحتجت، واعتبرت سلسلة التصريحات غير المسئولة للرئيس الأمريكي عقبات تحول إصلاح العلاقات المتردية أصلا بين القوتين العظميين. وعاد البيت الأبيض يعلن على لسان مسئول رفض ذكر إسمه أن بايدن لا يقصد ماقاله.. وأنه لا يدعو لتغيير النظام في روسيا..
حروب نفسية
لماذا يتكرر هذا السباب من بايدن تجاه شخص الرئيس بوتين؟ هل هى طبيعة الرجل؟ لوكان ترامب فى السلطة وشتم وسب ما تعجب العالم، فطبيعة ترامب تفجيرية شعبوية، أما بايدن فسياسي محنك ودبلوماسي عريق، والحق أن إعلان قيادة أمريكا للعالم لن تتأكد بسب رئيس روسيا..
وما يلفت النظر أن بوتين لم يسب خصمه الأمريكي، وحتى لما وصفه قبل شهور بمجرم حرب، كان الرد الوحيد لبوتين أن نصح بايدن بالالتفات إلى صحته.. في إشارة إلى حادثة تعثر قدمي بايدن وهو يصعد سلم الطائرة الرئاسية..
التراث الرئاسي بين الدول فيما يتعلق بتبادل الشتائم متراكم، وهو جزء من الحروب النفسية، التى تستهدف شيطنة الخصم، وخلع أية صفات انسانية عنه، فضلا عن الحط من كرامته ونزع الهيبة عنه.. وفى تاريخنا كان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر صاحب قاموس قوى وموجع في توجيه الشتائم إلى قادة عرب، وكان رده قاسيا، وواجبا حين شتمه الإنجليز، فرد الصاع صاعين..
ولم يعرف عن الرئيس السادات أن شتم أو سب، إلا جملة واحدة لم تكن موجهة إلى رئيس أو ملك، بل وجهها إلى سجين سياسي وصفه بأنه مرمى في الحبس كالكلب..
أما مبارك فلم يعرف عنه قط أن تلفظ بلفظ جارح أو شتم أو تفحش في القول بل كان دقيقا حذرا، وطوال سنوات حكمه، لم يخرج على النص المكتوب، ومفرداته فى التصريحات الارتجالية محدودة ومكررة وتؤدي المعنى المطلوب.. لكن جانبه الحرص جدا حين قال عن عدد من النواب الذين رسبوا فى انتخابات ٢٠١٠ المزورة، وأعلنوا أنهم فى برلمان مواز: خليهم يتسلوا.. وقامت الدنيا عليه ولم تقعد..
أما الرئيس السيسي فجم الأدب، عف اللسان.. وهو يختار ألفاظه وتعبيراته بحرص بالغ، ولعل هذا يفسر بحثه المستمر عن أنسب كلمة لما يقصده، حتى لا يجرح أو يساء فهمه..
المفروض أن الرؤساء قادة لشعوبهم فى الذوق والأخلاق.. والترفع.. وحين يتطاول رئيس علي رئيس بالسب والشتائم فإنه يكسر قاعدة أخلاقية ترتد إليه وعليه داخل مجتمعه.. وماذا لو شتم بوتين.. وأطلق لسانه على بايدن؟
قلة الأدب لها اتجاهان.. الإ من عف وترفع!