مراقد آل البيت ومشاهد الصحابة في حضن الإهمال ( 3 )
أحسنت مصر استقبال الفوج الأول من أهل البيت المطرودين من المدينة المنورة ومكة المكرمة. من هنا أحبت العترة الطاهرة مصر والمصريين، وشرفها الأبناء والأحفاد بالحضور، وتكررت مظاهر الترحيب.. ولن تزال.
وهذا ما يفسر انتشار مشاهد ومقامات كثير من أجيال الذرية المطهرة، حتى يومنا هذا، ولم يقتصر الأمر على السيدة زينب ومن جاء معها، وفي مقدمتهم؛ السيد علي زين العابدين، والسيدات سكينة ورقية وصفية، وغيرهن.
في مرحلة تالية، كما ذكرنا، جاء السيد يحيى الشبيه، ووالده، وأختاه السيدتان؛ أم كلثوم، وفاطمة العيناء، وغيرهم. وقبلهم جاءت السيدة عائشة، كما حضرت السيدة نفيسة.
الإرث الجميل
لكن، للأسف الشديد، لم تحسن الأجهزة المختصة، ولا المصريون أنفسهم، الحفاظ على هذا الإرث الجميل، والكنز الثمين، الذي يتمثل في المقامات والأضرحة، سواء مع آل البيت، أو الصحابة والتابعين الذين جاءوا مع جيش الفتح الإسلامي، والعلماء الذين وجدوا في المحروسة المجال الفسيح والتسامح المطلوب، والمناخ الصالح، وعدم التعصب؛ ما سمح لهم بحرية البحث العلمي، والنقاش المثمر.
لا تلك الآثار يتم التعامل معها بشكل يليق، ولا يجري الإعلام والتثقيف بشأنها بالصورة الملائمة، حتى أن المجتمعات المحيطة بها باتت منفرة للزائرين، وتُركت كثير من المشاهد نهبًا للطامعين، وسُرقت أجزاء منها، وأغرقت المياه الجوفية بعضها، ودمرت عوامل التعرية بعضها الآخر، ولجأ عدد من سكان هذه المناطق إلى حيل غير شريفة للكسب..
وعلى سبيل المثال، استغل سكان أحد الشوارع القريبة من مسجد السيدة زينب وجود مسجد قديم البناء، إسمه الأصلي مسجد معروف الرصافي، وزعموا أنه مسجد السيدة زينب القديم، ونقشوا ذلك على جداره الخارجي، بل وكتبوا على جدران منزل مقابل البيت الزينبي، فخدعوا البسطاء من زوار المنطقة الزينبية، وخاصة رواد موالد رئيسة الديوان، وكان هذا أحد أساليب الاسترزاق بالنصب، تحت سمع وبصر وزارات؛ الأوقاف، والآثار، والثقافة!
مقام أبي ذر الغفاري
واقعة مشابهة اكتشفناها خلال جولاتنا بمراقد ومزارات آل البيت، ومشاهد مقامات الصحابة، حيث يقوم البعض ببناء ضريح ومقام فوق قبر شخص عادي، أو في أي مساحة يستولون عليها، ويشيعون أنه مشهد أحد الأولياء أو الصالحين، بل وأحد الصحابة الأجلاء.. كوسيلة للاسترزاق، أيضًا، بالنصب..
فهناك في مقابر المقطم، موضع أشبه بالقبر، مكتوب فوقه: "هنا مقام العارف بالله أبي ذر الغفاري"، ومعروف أن سيدنا أبا ذر، رضي الله عنه، دفن في منطقة اسمها "الربذة" شرق المدينة المنورة، على بعد حوالي 200 كيلو متر، وهو المكان الذي نفاه فيه عثمان بن عفان، رضي الله عنه.
مسئولية تصحيح تلك الأخطاء وتصويبها أو تأكيد المعلومة، تقع على عاتق الأوقاف والثقافة والآثار، أما استمرار تلك الأوضاع، وانتشارها فهو كارثة. أما عن ترك المقامات والأضرحة مستباحة للسرقة والنهب والاحتلال وعوامل التعرية فهذا موضوع مقالات تالية، إن شاء الله.