الفريق عبد المنعم خليل يبرئ الملك فاروق من صفقة الأسلحة الفاسدة
رحل عن عالمنا اليوم الأربعاء الفريق عبد المنعم محمد إبراهيم خليل، عن عمر يناهز 101 عام بعد حياة طويلة قضى معظمها ضابطا للدفاع عن أرض الوطن سمي بالأب الروحي للعسكرية المصرية.
وشيعت الجنازة بعد الظهر اليوم من مسجد المشير طنطاوي بالتجمع الخامس.
وننشر ذكريات الفريق الراحل عبد المنعم في حوار لفيتو منذ عدة سنوات حيث تحدث عن حرب فلسطين والاسلحة الفاسدة فقال:
في الطريق الى فلسطين جلست أفكر؛ ماذا نفعل هناك، والحرب تدور رحاها بين العرب واليهود؟! وما الهدف من مهمتى في تنظيم تظاهرة عسكرية يتم تصويرها أمام العالم بأن الجيش المصري يرفض احتلال فلسطين، وسيشارك بقوة في تحريرها من اليهود؟! وأنا في القطار كنت أسمع الجنود والضباط يروون لبعضهم ما سمعوه عن الأسلحة الفاسدة التي تقتل المشاركين في الحرب من العرب، ووصلنا إلى غزة، ورفعنا أعلامنا وسلاحنا في التظاهرة المخطط لها، ومشينا عبر 3 قرى حتى وصلنا للخليل، وبالتحديد للنقطة العسكرية التي سنتلقى منها الأوامر، وكان قائدها في ذلك الوقت الصاغ جمال عبد الناصر، الذي استقبلنا بحفاوة، وكأنه ينتظرنا، قال لنا وقتها: ستشاركون معنا في القتال، فأجبته بأن معي 300 جندي فقط، و100 بندقية غير صالحة للاستخدام، فقال لي: سأمدكم بكل الأسلحة التي تحتاجونها، وبدأنا المشاركة معهم في الحرب.
سألته كشاهد عيان على حرب فلسطين.. ما مدى صحة فضيحة الأسلحة الفاسدة التي قام الملك بشرائها للجيش المصري؟
صمت قليلًا، ثم قال: بما أننى شاهد عيان على تلك الأيام الحزينة، والعمر لا يسعفني أن أبرئ الملك فاروق وقتها؛ لأننى لم ألق بالًا للسياسة ولا أتدخل فيها، ولكن الحقيقة غير ذلك.. فالأسلحة التي اشتراها الملك من الإنجليز كانت سليمة 100%، وكانوا يقومون بتخزينها عندنا في مخازن كبيرة بمنطقة التل الكبير، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، ويضعون عليها شحومًا كثيرة حتى لا تصدأ، وقام الملك بشرائها وشحنها للمقاتلين في فلسطين دون تنظيفها من الشحوم، ولأننا لم نكن مدربين؛ سواء الجنود أو الضباط، على هذه الأسلحة، فكانت الطلقات تخرج من البندقية أو المدفع نحو من يطلقها، بدلًا من توجهها نحو العدو.. بالإضافة إلى القنابل الحمراء التي كانت تنفجر في الضباط والجنود لأن من المفترض أن يتم إلقاؤها بعد ثوانٍ من شد فتيل الأمان، ولكننا لم نتدرب عليها، ومات وأصيب كثيرون من رجالنا، وأصيب منهم ضابط من دفعتي اسمه فؤاد، وقطعت القنبلة يده، وهذا يعود بنا إلى الحرب العالمية الثانية والتي أكسبت اليهود خبرة في الحرب واستخدام الأسلحة أكثر منا، وهذا سبب انتصارهم على العرب في حرب فلسطين.
ويضيف: أما الملك فهو بريء من التهمة التي ألصقها به- بعد ثورة يوليو 52- الكاتب الشهير إحسان عبدالقدوس، الذي كتب أن العرب خسروا الحرب بسبب الأسلحة الفاسدة، ولكننا كضباط لم نتكلم عن ذلك، حتى عبدالناصر نفسه، وعبدالحكيم عامر كانا يعلمان الحقيقة وقتها، ولذلك قام عبدالناصر بعد الثورة بإنشاء الكلية الفنية العسكرية والمعهد الفني ليكون عملهما الأساسي هو تشريح الأسلحة المستوردة وكيفية عملها، وملاءمتها لجو الحرب ومسرح العمليات في مصر.. أما الملك فهو بريء ووطني، ولا يقوم بهذا العمل أبدًا.. نعم كان هناك فساد في نواحٍ أخرى، ولكن الأسلحة الفاسدة كلام فارغ لا يصدقه عقل، وأنا قابلته أكثر من مرة، فقد كان يقوم بزيارتنا على الجبهة، وفى نادي الضباط، ويقضي معنا يومًا كاملًا، ويسهر معنا، وأنا بصراحة كنت أحبه، ورغم أن رجال الثورة خلعوه، ولكنهم كرموه كآخر ملك لمصر، عندما خصصوا له سفينة يخرج بها، ومراسم عسكرية تليق به كملك لمصر، ولم تعاقبه الثورة على أي تهمة من التهم التي ثبتت عليه بعد ذلك.
ما علاقتك بالضباط الأحرار قبل الثورة؟
بعد عودتي من فلسطين تم تعييني مدرسًا بالكلية الحربية، وفى الحقيقة أنا لم أكن منهم، وكانت تأتينى منشوراتهم، وأنا مدرس بالكلية الحربية، ولم أهتم بها، بل كنت أمزقها، وعقب قيام الثورة فوجئت بأن نحو 7 من مجلس قيادة الثورة عندي في الكلية، ومن أصدقائي.. أتذكر منهم: شمس بدران.. صلاح نصر.. عبد الباسط رضوان.. وكمال الحناوي.
وعندما سألته: لماذا لم يختروك الضباط الأحرار واحدًا منهم، بالرغم من حبك لمصر واشتراكك في معظم العمليات العسكرية؟
أجاب بعد تنهيدة عميقة: علمت بأمر التنظيم بعد الثورة، والسبب أنني كانت تربطني علاقة وثيقة باليوزباشي أحمد إسماعيل، منذ عام 46، وكان يعينني مساعدًا له في كل منصب يتولاه، وكان غير محبوب من الضباط الأحرار؛ لأنه كان جادًا وحازمًا، فكانوا يخافون منه، بالإضافة إلى أن قائدي بمدرسة المشاة كان هو القائم مقام الجيزاوي، وكان المساعد الخاص للملك فاروق؛ لذلك خاف وقتها الضباط الأحرار مشاركتى معهم.. ولكنهم لم يشكوا يومًا في حبى لمصر وولائى لها.. وعقب قيام الثورة تم تكليفى في اليوم التالى مباشرة قائدا لمنطقة أبو زعبل، وكانت ذات أهمية عظيمة وقتها؛ لأن بها الإذاعة المصرية، وأول ماكينة توليد كهرباء، فكانت لها أهمية استراتيجية، وكنت سعيدًا جدًا فالناس كانوا يهتفون لنا، ونحن بالملابس العسكرية، وكأننا المخلِّصون من الطغيان والاستعباد.. وبالرغم من حبي للملك فاروق، وحزنى على تركه مصر فإننى كنت سعيدًا جدًا بالثورة التي كانت أهم مبادئها بناء جيش قوي، وكان هذا حلمي طول عمري، أن يكون لمصر جيش قوي يطرد به الاستعمار الإنجليزي الذي كان يعبث ببلدنا، وأيضا يحمى مصر، وأرضها من أي طامع في المستقبل.. فمصر ربنا كرمها في القرآن، ولابد أن تكون ذات مكانة عالية فهي عبارة عن جنات وعيون وكنوز ومقام كريم.