هزيمة الإنسانية في أوكرانيا
الثابت إنسانيا أن الصورة الذهنية للاحتلال مرفوضة، لأنها باختصار تختزل الحياة الإنسانية في سيادة لغة الغاب على لغة العقل والحوار والتفاهم والبناء. متابعة ما يجرى على أرض أوكرانيا يختزل المشاهد في أخبار الحرب وتقدم القوات الروسية على أكثر من محور دون التركيز على الحالة الإنسانية لشعب يعانى ويلات الحرب.
والثابت أيضًا أن بحر الأخبار القادم من شمال الكرة الأرضية إلى جنوبها يمثل أكثر من ٩٥٪ من حجم الأخبار المتداولة، ولا يسهم جنوب الكرة الأرضية إلا بالنسبة القليلة الباقية. باستثناء الصورة المرعبة لسيدة أوكرانية لقيت مصرعها وهى حامل، فإن الميديا الغربية لم تقدم الوجه القبيح حتى تاريخه لما يجرى على الساحة الأوكرانية.
ورغم الموقف الذى اتخذته شركات التواصل الاجتماعى الكبرى بالتعامل بخصوصية مع المادة الصحفية العابرة من الموقف الروسى، فإن مواقف الميديا العالمية، والتى تتركز في الغرب وأمريكا، لم تصل حتى تاريخه إلى عمق الأزمة الإنسانية التى تخلفها الحرب.
حظى الصراع داخل سوريا بما هو أكثر مما حظيت به الحرب الروسية على أوكرانيا، رغم وضوح الرؤية في الحالة الأخيرة فنحن أمام احتلال دولة لأخرى بالقوة ومطاردة شعبها وتهديد الأمن العالمى.
ويقينى أن الموقف (الأمريكي - الغربى) المتخاذل من الحرب على أوكرانيا قد وصلت مظاهره إلى التغطية الإعلامية التى واكبت وتواكب التحركات العسكرية من داخل المعركة.
الأوكران والبعد الإنساني
تبدو متابعة أحداث الحرب بعيدا عن البعد الإنسانى هى الأكثر رواجا على المستوى الغربى والدولى دون الغوص فيما سببته هذه الحرب على المستوى الإنسانى. اللاجئون الأوكران في كل مكان يعانون مثل كل لاجئ بعيدا عن جنسيته، إلا أن الاهتمام الإعلامي بهذا الملف يبدو كما لو كان منسيا أو يتم تجاهله عن عمد.
ربما لأن البعض تحدث عن تضحية الأمريكان بأوكرانيا لخلق حدود ساخنة مع روسيا واستنزاف قوتها بنقل المقاتلين المرتزقة من كل أنحاء العالم إليها، وهو ما دفع البعض إلى توقع ضياع أوكرانيا لسنوات طويلة. المثير أن الروس أنفسهم لديهم خبرات في قضية استخدام المرتزقة في كثير من أنحاء العالم!
والحاصل أن الحرب تأكل الأخضر واليابس، والغرب على موقفه المندد بها دون اتخاذ ما يمكن أن يوقفها أو يخلق حولها التفافًا إنسانيا عالميا، وقد ساعد على ذلك موقف العديد من بقاع العالم من قضية انفراد أمريكا بقيادة العالم، أو ما سمى بأحادية القطب المسيطر على العالم.
الأكثر إثارة أن المنطقة العربية التى لا تزال تعانى من ويلات الاحتلال الغاشم على أرض فلسطين إلا أن الموقف العربى الرسمى قد غلفه الغموض، وبدا وكأن للاحتلال أكثر من معنى. الرئيس الأوكرانى عبر في أكثر من مرة عن غموض الموقف الأمريكى والغربى، ولم يجد من يمد يد العون الحقيقية إليه في أوقات عصيبة يهضم فيها وطنه على الهواء مباشرة.
واختصارا، فإننا نرى الحرب الروسية على أوكرانيا هى الأغرب في التاريخ الإنسانى، رغم ارتفاع الحناجر الغربية دون مدد حقيقى يوقف هذه الحرب، ولو بالحوار والتفاوض. فجأة وبدون مقدمات وجد الشعب الأوكرانى نفسه أمام منعطف خطير، فلا الغرب ساعده، ولا أمريكا ساندته بشكل واقعى، ولا وجد صدى لمعاناة شعبه من آلة الحرب القاسية.
وفي زمن السوشيال ميديا يصبح كل ثمين رخيص، وتتحول الحقائق إلى نكات، وتضيع الحقائق بين متاهات الكتائب الإلكترونية ليهزم الغرب شر هزيمة، وهى بالمناسبة هزيمة للإنسانية قبل أن تكون هزيمة عسكرية.
