رئيس التحرير
عصام كامل

وماذا عن إجازات القرآن المضروبة؟!

احتفى كثيرون بالمقال الأخير المُعنون بـ القراءات الرديئة، فيما اندهش قليلون واستنكروا واستغربوا، وحقَّ لهم أن يندهشوا ويستنكروا ويستغربوا، ولكن أؤكد لهم أن الوقائع المذكورة صحيحة، وتمثل غيضًا من فيض وقطرة من محيط، ويمكنهم أن يُبحروا في الفضاء الإلكتروني، وأعدهم بأنهم سوف يجدون- بكل أسف- ما لن يسرَّهم، وما لن يُشنِّف آذانهم. هذه الخطايا ليست في التلاوات الإذاعية التي تخضع للمراجعة والتدقيق بطبيعة الحال، ولكنها في المناسبات الخارجية وحفلات العزاء والأفراح، وكثيرٌ منها مُتاحٌ ومُباحٌ على منصة الفيديوهات المصورة "يوتيوب".

قد يكون النصيب الأوفر من تلك القراءات المتردية للأجيال الجديدة من القراء، ولكن بعض القراء الراحلين لهم نصيب أيضًا من تلك الأخطاء. 
وعطفًا على هذه القضية التي تمسّ كتاب الله تعالي الذي أمرنا بإتقان قراءته وتلاوته.. فإنّ هناك إشكالية أخرى يغفل عنها الغافلون، وتسهم بشكل كبير في تراجع دولة التلاوة المصرية على نحو لا يخفى على أحد، وهي: الإجازات المضروبة. 

فكما أن هناك من يسلكون دروبًا مشبوهة للحصول على شهادة جامعية مضروبة أو تقرير طبي مضروب، أو ألقاب علمية مضروبة، فإنّ هناك فريقًا لا يخجل من الحصول على إجازة مضروبة في قراءة القرآن الكريم وحفظه، من أجل الحصول على لقب: القارئ الشيخ، ومن ثمَّ التكسب والتربح المادي الكبير من خلال التلاوة في المحافل القرآنية وأحيانًا الاعتماد في سجلات الإذاعة والتليفزيون، حتى لو كان المقابل هو تحريف كلام الله عن مواضعه وتشويهه جهلًا وحماقة!

إجازات مضروبة


والإجازة.. هي شهادة من الشيخ المُجيز للطالب المُجاز بأنه قد قرأ عليه القرآن كاملًا غيبًا مع التجويد والإتقان للرواية أو الروايات المُجاز بها، وأصبح مؤهلًا للإقراء بها. وبالحصول على هذه الإجازة.. يكون القارئ قد اتصل إسناده بالنبي صلى الله عليه وسلم، وصار ضمن سلسلة الناقلين لكتاب الله تعالى بالسند المتصل، وإذا أراد الحصول على إجازة برواية واحدة كرواية حفص أو ورش أو قالون، فلابد من حفظ القرآن الكريم حفظًا متقنًا مع تطبيق أحكام التجويد، ويُحسن دراسة متن في التجويد، فضلًا عن تفاصيل يعلمها المتخصصون والمهتمون.


الحصول على إجازات مضروبة في حفظ وتلاوة القرآن الكريم ليس مجرد حالات فردية يمكن التغاضي عنها، ولكنها تفاقمت حتى غدت ظاهرة، تتطلب تحركًا عاجلًا من النقابة وجميع الجهات المختصة. نقابة قراء ومحفظي القرآن الكريم لا تملك من أمرها شيئًا، ولا تبحث  سوى عن المصالح الشخصية لأعضاء مجلس الإدارة. النقيب الشيخ محمد حشاد يبدو شخصَا هادئ الطباع لا يهوى الاشتباك أو الدخول في سجال مع أحد، مكتفيًا بجلوسه على الكرسي الذي جلس عليه الشيخ محمد محمود الطبلاوي والشيخ أبو العينين شعيشع، وهذا شرف لو تعلمون عظيم.


مواجهة الإجازات والأسانيد المضروبة في حفظ وتلاوة القرآن الكريم يجب أن تتم بيد من حديد، يستوي في ذلك من يمنح الإجازة ومن يحصل عليها؛ عقابًا لهما على التدليس والتزييف بحق كتاب الله، وتعظيمًا وتقديرًا له. الإجازات المضروبة «بزنس رائج» ولا يتم سرًا، بل يتم الإعلان عنه والترويج عبر منصات التواصل الاجتماعي، ويتورط فيه شيوخ وجمعيات قرآنية ومجموعات إلكترونية، ولها سوق سوداء!


وكما أن هناك إجازات مضروبة، فإن هناك أيضًا إجازات مزورة؛ حيث يقوم القارئ بتزوير الإجازة ووضع أسماء بعض أكابر أساتذة القراءات مثل: رئيس لجنة مراجعة المصحف أو بعض أعضاء اللجنة عليها.

 


شيخ عموم المقارئ المصرية الشيخ أحمد المعصراوي صرٍَح من قبل بأنه اكتشف إجازات مزورة ادَّعى أصحابها الحصول عليها من الشيخ عبد الحكيم عبد اللطيف رحمه الله، رغم أن الأخير كان يرفض منح الإجازة لمن لم يختم القرآن الكريم كاملًا.
توحيد جهة منح الإجازة قد يكون الخطوة الأيسر والأسهل لمواجهة مافيا الإجازات المضروبة والمزورة. ربما لا تكون النقابة مؤهلة في الوقت الحالي لهذه المهمة لأسباب يطول شرحها، فيما تبقى  مشيخة عموم المقارئ المصرية هي الجهة المثالية لمنح الإجازة المطلوبة.. هذا بيان للناس والله من وراء القصد.

الجريدة الرسمية