نضال وتمرد ومكاسب.. أسباب غير مسبوقة وراء اختيار 16 مارس عيدا للمرأة المصرية
تم اختيار اليوم السادس عشر من شهر مارس لكي يكون يوما للمرأة المصرية، والذي يحمل ذكرى ثورة المرأة المصرية ضد الاستعمار ونضالها من أجل الاستقلال، فيعود تاريخ يوم المرأة المصرية إلى 16 مارس 1919، عندما شاركت سيدات مصريات في الاحتجاجات والمظاهرات التي خرجت الى الشوارع تهاجم وتندد بالاحتلال الإنجليزي لأول مرة في تاريخ مصر الحديث.
جاءت الشعلة من رائدة الحركة النسائية هدى شعراوي عندما خرجت على رأس مظاهرة نسائية قوامها أكثر من 300 سيدة رافعين أعلام الهلال والصليب كرمز للوحدة الوطنية ومنددين بالاحتلال البريطاني والاستعمار.
خرجت هدى شعراوى لتقديم عريضة الى المعتمد البريطاني للمطالبة بالافراج عن سعد زغلول ورفاقه وهم محمد محمود باشا وحمد الباسل وإسماعيل صدقى باشا الذين نفتهم بريطانيا الى جزيرة مالطة.
أول شهيدة
وخلال المظاهرات سقطت بعض السيدات ليصبحن "شهيدات الوطن"، ويتحول النضال منذ ذلك اليوم إلى جزء من رسالة المصريات للدفاع عن حقوقهن وحقوق بلادهن، وقد سجل التاريخ أسماء شهيدات الوطن، في صفحاته بحروف من نور بعدما سقطن شهيدات خلال الاحتجاجات الدامية، واول هؤلاء الشهيدات هي السيدة "حميدة جليل"، التي لقبت بـ"أول شهيدة مصرية" بعدما قتلتها رصاص الاحتلال الإنجليزي، إضافة إلى شهيدات أخريات وهن: نعيمة عبد الحميد، فاطمة محمود، نعمات محمد، يمنى صبيح.
ووصف شاعر النيل حافظ إبراهيم دور المرأة المصرية في ثورة 1919 كأول تمرد سياسى واجتماعى وفكرى للمرأة المصرية وتمثل هذا التمرد في خلع الحجاب الفكرى عن عقول النساء الثائرات والخمار السياسى عن الوعى والنقاب الاجتماعى عن سجينات العادات البالية.
وبالفعل ظهرت تضحيات النساء المصريات فى ثورة 1919 بعضهن قدمن حياتهن والبعض الآخر أكملن المسيرة وحملن العبء وتحملن المسئولية الكبيرة ليصبحن فيما بعد رمزًا لنجاح المرأة بصورة عصرية جعلت منهن قدوة لغيرهن حتى الآن.
أم المصريين
تعتبرصفية زغلول ـ زوجة الزعيم سعد زغلول ـ من اشهر الشخصيات التى ساهمت فى إشعال الثورة ولقبت بـأم المصريين نظرا لدورها فى النضال الوطنى مع هدى شعراوى،كما قادت المظاهرات النسائية وشاركت فى تكوين هيئة وفدية من النساء عام 1919، بهدف تحقيق المطالب القومية للمرأة المصرية، كما ألهبت بحماستها السيدات اللاتى اعتدن التجمع فى منزل سعد زغلول للتأكيد على مطالبهن والتى جاءت على رأسها تعليم المرأة حتى مرحلة الجامعة، والسماح لها بالانخراط فى العمل السياسى، وتكوين الأحزاب، والإسهام فى دفع عملية التنمية والإصلاح.
الاتحاد النسائى
لم ينته النضال عند هذا الحد، ولم تيأس المرأة المصرية بعد سقوط الشهيدات، بل كان ذلك دافعا نحو الحصول على الحريات، والمزيد من النضال ومواجهة المحتل، فدعت بعد ذلك وتحديدا في 16 مارس عام 1923، هدى شعراوي لتأسيس أول اتحاد نسائي في مصر، وكان على رأس مطالبه رفع مستوى المرأة لتحقيق المساواة السياسية والاجتماعية للرجل من ناحية القوانين وضرورة حصول المصريات على حق التعليم العام الثانوي والجامعي، وإصلاح القوانين فيما يتعلق بالزواج، كما ناشدت رجال القانون والسياسيين أن يدعموها في تحقيق هذه المطالب.
وعلى الرغم من أن ما كانت تفعله هدى شعراوي كان يقابل من الكثيرين بالرفض، والإحباط، وأكد لها الكثيرين أنه من الصعب تحقيق مطالبها، إلا أن النساء المصريات كن يحاولن إثبات العكس، بالدليل القاطع، فخلال تلك الفترة حصلت أول فتاة مصرية على شهادة ليسانس الحقوق هى نعيمة القليوبى، وسجل اسم منيرة ثابت في جدول المحامين أمام المحاكم المختلطة عام 1924، باعتبارها أول محامية مصرية وعربية.
دخول الجامعة
ويسجل التاريخ في عام 1928، انتصارا جديدا للمرأة المصرية على قوالب المجتمع العتيقة، فدخلت أول مجموعة من الفتيات إلى جامعة القاهرة، لتسجل بذلك انتصارا ملموسا يستحق الفخر.
إلا أن حصول المرأة على حقها الدستوري في الانتخاب والترشيح قد تأخر كثيرا، ولم تحصل عليه، إلا في 16 مارس من عام 1956، وهو أحد المطالب التي ناضلت المرأة المصرية من أجلها، والذي تحقق فى دستور 1956 فى عهد الرئيس جمال عبد الناصر، وحاليا وصلت المرأة المصرية الى كرسى القضاء والى وظيفة المحافظ وتعددت الكراسى النسائية فى الحكومة.
عيد المرأة المصرية
ومنذ ذلك الحين اعتبر يوم 16 مارس عيدا للمرأة المصرية ولم تتوقف المرأة المصرية عن نضالها من أجل الحصول على حقوقها كفرد فاعل ومنتج في المجتمع، وله كامل الحقوق، وعليه كامل الواجبات، فوصلت لأرفع المناصب، وحققت العديد من الإنجازات.