هل تعيد العقوبات الغربية روسيا إلى سيناريوهات تفكك الاتحاد السوفيتي؟
رغم تقدم روسيا بشكل ملحوظ في الحرب الأوكرانية، والسيطرة على العديد من المدن الكبرى، وعزم موسكو المضي قدما في مخططاتها لإخضاع كييف للتاج الروسي، لكن النظر في العقوبات الغربية المتزايدة التي ستطوق البلاد خلال السنوات المقبلة يؤكد أن الاتحاد الروسي قد يواجه مصيرا مخيفا، يشابه ذلك الذي تسبب في تفكك الاتحاد السوفيتي في تسعينات القرن الماضي.
ويلعب الغرب حاليا على الابتعاد عن الصدام العسكري مع روسيا بقدر الإمكان، إلا لو حاول الرئيس فلاديمير بوتين استهداف دولة آخرى من بلدان الاتحاد الأوروبي من داعمي أوكرانيا بالعتاد العسكري، فالحصار الاقتصادي الصارم واستمرار الاستنزاف لسنوات حسب تصورات الغرب، قد يدفع المؤسسات التي تنتج رأس الدولة إلى التضحية بالنظام وإعادة إنتاج آخر يتصالح مع المنظومة الدولية ويعيد روسيا إلى العالم.
لعنة العقوبات الغربية
تصر أمريكا والاتحاد الأوروبي على استهداف روسيا بطريقة أكثر ضررًا، حيث تضرب العقوبات الغربية موسكو من كل اتجاه وتضع الاقتصاد على حافة التدمير خلال سنوات قليلة، بعد أن قيدت وصوله إلى النظام المالي العالمي، وجمدت أصول روسيا الدولية مما يعني عجزها وتخلفها عن سداد التزامتها في المستقبل القريب.
هبطت قيمة العملة الروسية الرسمية «الروبل» أمام الدولار إلى مستويات تاريخية منذ بداية الحرب على أوكرانيا، وانحدر الروبل إلى حدود 106.5 مقابل الدولار لأول مرة منذ نحو 20 عاما، ما أسفر عن تضخم كبير وانخفاض في الدخل، وارتفاع قيمة القروض، وفشل البنوك وفقدان الودائع في الأيام الأولى فقط لإعلان العقوبات، وحال استمرارها لسنوات فالأزمة ستتوحش على الروس بشكل مرعب.
وتقود العقوبات الغربية المستمرة أيضا لانهيار سوق الأوراق المالية في روسيا، وتداعيات ذلك على الخسائر الفادحة للمدخرات وانخفاض قيمة الأصول، كما يتسبب حظر الرحلات الجوية في تعطيل الطائرات المدنية التي تستوردها روسيا من أمريكا والغرب، ما يؤدي إلى إخراجها من الخدمة خلال أشهر قليلة سواء بسبب العزلة الدولية أو بسبب نقص قطع الغيار.
ويواكب ذلك تدمير الصادرات الروسية من جراء المقاطعة المتزايدة، ولن تفلت المنتجات التي ستحاول روسيا إيجاد أسواق لها بعيدا عن الغرب من الحظر الجوي، وإغلاق الموانئ البحرية، الأمر الذي سيسهم في تقييد الواردات الهامة بما في ذلك الإلكترونيات والتكنولوجيا التي تحتاجها روسيا من الغرب، والذي لايزال متقدما عنها في هذا المضمار بخطوات واسعة.
وينعكس ذلك مباشرة على إحداث فجوات كبرى بسلاسل الإنتاج، وتوقف صناعات بأكملها بسبب نقص المكونات والتقنيات، ولن يسلم قطاع الغذاء أحد أهم أذرع الاقتصاد الروسي من التدمير، بسبب نقص البذور، وخروج الاستثمارات العالمية من السوق الروسية، وإضعاف هذا القطاع بجانب القيود على الصادرات التي يعتمد عليها الاقتصاد مثل النفط والغاز والذهب يعني سد كل منافذ الحصول على العملة الأجنبية أمام بوتين.
سيناريوهات عزل روسيا عن العالم
وفي مرحلة لاحقة ستتعرض روسيا لتجميد نشاط أنظمة الدفع، وتجميد الأصول تمهيدا لتأميمها في الخارج، وإنهاء إصدار التأشيرات الذهبية ـ الإقامة مقابل الاستثمارـ وفرض مزيد من القيود على الشعب الروسي، مثل تقييد السفر للخارج، ما يضيف احتقان داخلي وضغوط على السلطة الحاكمة.
وخلال سنوات قليلة ستؤدي كل هذه الضغوط إلى تفجير أزمة مدفوعات، ستنعكس على دفع الشركات المحلية للإفلاس وتخفيض الوظائف، كما يؤدي عزل روسيا عن المشاركة في المنظمات الدولية، إلى إعادة البلاد عشرات السنوات للخلف في الكثير من الصناعات الهامة على رأسها تكنولوجيا المعلومات.
ولن يكون هناك حلا واضحا للكرملين للخروج من الأزمة، في ظل المقاطعة الرسمية والشعبية وتزايد حملات شيطنة روسيا ونظامها في الإعلام الغربي بشكل غير مسبوق إلا إيجاد حل من الداخل لإنهاء عزل روسيا، الذي يبدو أنه سيصبح الشعار السائد للغرب وتحالفاته في العالم حتى إشعار آخر.