جمال عبدالناصر في قلب السوريين!
ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن علاقة العشق المتبادل بين سورية والزعيم جمال عبدالناصر، فقد كانت سورية بالنسبة إلى عبدالناصر قلب العروبة النابض، وكان الرجل يدرك أهميتها بالنسبة للأمن القومي المصري والعربي، وعندما جاءت فرصة الوحدة وعلى الرغم من عدم نضجها إلا أنه لم يتردد لحظة واحدة لعقدها وإعلانها، ولم يبنِ جمال عبدالناصر موقفه من سورية على أسس عاطفية، لكنه بنى هذا الموقف بعد قراءة واعية لحقائق التاريخ والجغرافيا والثقافة المشتركة بين البلدين..
فأدرك بحسه الوطني والقومي أننا بلد واحد وتاريخ واحد ومصير مشترك واحد، لذلك أعلن الجمهورية العربية المتحدة بإقليميها الشمالي والجنوبي، وبجيوشها الثلاثة الميدانية الجيش الأول بالإقليم الشمالي (سورية) والجيشين الثاني والثالث بالإقليم الجنوبي (مصر)، أملا في أن تكون نواة حقيقية لوطن عربي موحد يستطيع أن يقف في مواجهة القوى الاستعمارية الكبرى في العالم.
وعلى الرغم من الفرحة العارمة لأبناء الإقليمين بهذه الوحدة إلا أن هذه الفرحة لم تدم طويلا، فمنذ اللحظة الأولى بدأت عمليات التآمر على مشروع الوحدة، وبالطبع كانت القوى الاستعمارية القديمة انجلترا وفرنسا والقوى الاستعمارية الجديدة (الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني) في مقدمة من سعي إلى إجهاض المشروع الوليد وقاموا باستخدام كل الوسائل غير المشروعة عبر أدواتهم الخائنة والعميلة بداخل الإقليمين، إلى جانب استخدام الرجعية العربية الخائنة والعميلة تاريخيا والتي عملت بكل قوة ودفعت أموال طائلة للإطاحة بحلم جمال عبدالناصر..
ذكرى الوحدة
وعلى الرغم من نجاح مشروع التقسيم والتفتيت إلا أن حلم الوحدة المصرية – السورية ظل باقيا في عقل وقلب جمال عبدالناصر حتى يوم وفاته، فرغم الانفصال ظلت مصر هى الجمهورية العربية المتحدة، وظل جيشها الأول هو الجيش العربي السوري، وظل علمها هو علم الوحدة ذو النجمتين الأولى لسورية الإقليم الشمالي والثانية لمصر الإقليم الجنوبي، وهو العلم الذي شيع فيه جمال عبدالناصر يوم وفاته، لتشهد جنازته أنه ظل وفيا لسورية والوحدة حتى أخر لحظة في عمره.
وبرحيل جمال عبدالناصر جرت في النهر مياه كثيرة وتمكنت القوى الاستعمارية الجديدة من فرض مشروعها التقسيمي والتفتيتي على الجميع داخل الأمة العربية باستثناء سورية العربية التي أطلق عليها الزعيم جمال عبدالناصر قلب العروبة النابض فبصعود الرئيس حافظ الأسد لسدة الحكم قرر أن يسير على خطى جمال عبدالناصر ويستكمل مسيرته ويتبنى حلمه في الوحدة العربية، فبقى علم الوحدة ذو النجمتين هو العلم السوري، وظل المكون العربي جزء لا يتجزأ من كل مؤسسات الدولة السورية، فالدولة هى الجمهورية العربية السورية، والشعب هو الشعب العربي السوري، والجيش هو الجيش العربي السوري، وهكذا كل مؤسسات الدولة، ولم يكتفي الرئيس حافظ الأسد بالمسميات فقط بل ترجم ذلك واقعيا عبر تحديه ووقوفه في وجه المشروع الاستعماري الغربي وعدم الرضوخ له.
وفي الوقت الذي هرول الجميع لعقد اتفاقيات ومعاهدات سلام مذل مع العدو الصهيوني بداية بكامب ديفيد مرورا بأوسلو وصولا لوادي عربة، بقى هو الوحيد الذي يرفع راية المقاومة في وجه العدو الصهيوني ويحتضن المقاومة العربية الفلسطينية واللبنانية التي كبدت العدو خسائر باهظة وظلت خنجر في خاصرته الرخوة طوال الوقت، وعندما اضطر للدخول في مفاوضات مع العدو الصهيوني أصر أن تكون مفاوضات عربية.
ورغم الطعنات التي تلقاها من منظمة التحرير الفلسطينية بعقدها أوسلو منفردة، ومن الأردن بعقدها وادي عربة منفردة ظل يفاوض بشراسة لمدة عشر سنوات وعندما شعر بقرب أجله أوقف المفاوضات مع العدو الذي كان قد قدم الكثير والكثير من التنازلات وقال قولته الشهيرة: "من الأفضل أن أورث شعبي قضية يناضل من أجلها على أن أورثه سلاما مذلا"، ورحل حافظ الأسد كما رحل جمال عبدالناصر والعروبة في عقله وقلبه.
وتأتى الذكرى الرابعة والستون للوحدة، وسورية التي وضعها جمال عبدالناصر في عقله وقلبه تخوض حرب كونية استمرت احدى عشر عاما ولازالت، مع نفس القوى الاستعمارية صاحبة المشروع التقسيمي والتفتيتي التي تآمرت على حلمه الوحدوي العربي، وفي الوقت الذي وقف الجميع في العالم العربي متفرجا، قررت سورية قلب العروبة النابض أن تكون دائما على العهد مع جمال عبدالناصر فوقفت منفردة تدافع ليس فقط عن ترابها الوطني ضد الهجمة البربرية الكونية والتي استخدمت أقذر الأدوات، بل عن شرف وكرامة الأمة العربية كلها، وخلال هذه الحرب الكاشفة كان أبناء جمال عبدالناصر المخلصين في مقدمة الصفوف دفاعا عن سورية خط الدفاع الأول والأخير عن العروبة.
وخلال زياراتى المتكررة لسورية عبر سنوات الأزمة، شاهدت وسمعت الجميع سواء مواطنين أو مسئولين يترحمون على الزعيم جمال عبدالناصر الذي كانت سورية دائما في عقله وقلبه، ولسان حال الجميع يقول لو كان جمال عبدالناصر موجود ما حاربت سورية منفردة، لكن عزاءهم الوحيد هو وجود الشرفاء من أبناء جمال عبدالناصر والمؤمنين بمشروعه الوحدوي العربي إلى جانب سورية، لذلك لا بد أن يعى كل من يرفع راية مشروع جمال عبدالناصر ويؤمن بثورته أن ناصريته ناقصة إن لم تكن سورية في عقله وقلبه، اللهم بلغت اللهم فاشهد.