جراح الحرب الباردة.. سيناريوهات الهزيمة الأوروبية أمام روسيا في أوكرانيا
يمثل احتدام الصراع في أوكرانيا بين الشرق والغرب عودة الى زمن الحرب الباردة عقب محاولة العملاق الشرقي انتزاع انتصارات القيصرية الروسية بعد فشل محاولة التعايش بين الشرق ودول الغرب ما يمثل نقد لاتفاقية هلنسكي عام 1975.
مؤتمر هلنسكي
واتفاقية هلسنكي هي وثيقة صدرت عن مؤتمر هلسنكي الذي انعقدَ عام 1975 في مدينة هلسنكي بفنلندا وذلكَ من أجل خلقِ أسسٍ جديدة للأمن والتعاون بين الدول الأوروبية على اساس تحقيق توازن في الأسلحة الاستراتيجية للدول الاروبية ما ضمنَ عدم قدرة أي طرف على تحقيق انتصار في أيّة حرب مقبلة بالنظر إلى الخسائر الكبيرة التي ستحدثها هذه الأسلحة حالة نشوب صراع.
ومع تخوف روسيا من اقتراب حلف الناتو الى داخل العمق الاستراتيجي لموسكو عن طريق ضم كييف الى الحلف ونشر وامداد اوكرانيا بمجموعة من الاسلحة المتقدمة تحرك العملاق الروسي في خطوة مباغة لاجهاض المساعي الاوروبية لخنق موسكو وتجيم قدراتها.
ومع اعلان الولايات المتحدة الامريكية انها لن تشارك بقواتها في الحرب داخل اوكرانيا تزداد احتمالية انتصار روسيا على اوروبا.
وبين سيناريوهات الغزو الروسي الكامل لاوكرانيا وخطط الاسقاط الداخلي لاوكرانيا عن طريق دعم الانفاصاليين في دونيتسك ولوجانسك يطرح هذا السؤال نفسه ماذا لو انتصرت روسيا في الحرب ضد الغرب.
هذا السؤال الصعب اجابت عليه مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية في تحليل عبر موقعها الإلكتروني.
ورأت "فورين أفيرز" أنه إذا استطاعت روسيا السيطرة على أوكرانيا أو تمكنت من زعزعة استقرارها على نطاق واسع، فستبدأ حقبة جديدة للولايات المتحدة وأوروبا، وسيواجه قادة أمريكا وأوروبا تحديا مزدوجا يتمثل في إعادة التفكير في أمن أوروبا وعدم الانجرار إلى حرب أكبر مع روسيا.
سبل الفوز
بالنسبة لروسيا، قد يتخذ تحقيق النصر في أوكرانيا عدة أشكال؛ فكما لم يتعين على النصر أن يحقق تسوية مستدامة في سوريا، يمكن أن ينطوي على تنصيب حكومة ممتثلة في كييف أو تقسيم البلاد.
وعوضا عن ذلك، يمكن لهزيمة الجيش الأوكراني والتفاوض على استسلام أوكراني أن يحول أوكرانيا إلى دولة عاجزة، وتستطيع روسيا استخدام هجمات سيبرانية مدمرة وأدوات تضليل، مدعومة بالتهديد باستخدام القوة، لشل البلاد والحث على التغيير.
وبتحقيق أي من تلك النتائج، ستصبح أوكرانيا منفصلة فعليا عن الغرب.
وإذا حققت روسيا أهدافها السياسية في أوكرانيا باستخدام السبل العسكرية، بحسب "فورين أفيرز"، لن تصبح أوروبا كما كانت عليه قبل الحرب، وأي منطق لقدرة الاتحاد الأوروبي أو الناتو على ضمان السلام على القارة سيصبح بمثابة قطعة أثرية لعصر ضائع.
وبدلًا من ذلك، سيتعين حصر الأمن في أوروبا على الدفاع عن الأعضاء الأساسيين بالاتحاد الأوروبي والناتو، وسيقف كل من هم خارج تلك المجموعة بمفردهم، مع استثناء فنلندا والسويد.
وطبقًا لـ"فورين أفيرز"، ستصبح الولايات المتحدة وأوروبا في حرب اقتصادية دائمة مع روسيا، وسيسعى الغرب لفرض عقوبات شاملة، والتي من المرجح أن تتفاداها روسيا مع التدابير السيبرانية والابتزاز المتعلق بالطاقة، بالنظر إلى أوجه التفاوت الاقتصادي، فضلًا عن أن الصين قد تقف إلى جانب روسيا في تلك الاستراتيجية الاقتصادية.
ورأت "فورين أفيرز" أن مقارنات الحرب الباردة لن تكون مفيدة في عالم تخضع فيه أوكرانيا لسيطرة روسيا، حيث كان لحدود الحرب الباردة في أوروبا نقاط التوتر الخاصة به، لكنه استقر بطريقة مقبولة للطرفين في قانون هلسنكي النهائي لعام 1975.
وعلى النقيض، ستفتح سيادة روسيا على أوكرانيا منطقة واسعة لزعزعة الاستقرار وانعدام الأمان من إستونيا إلى بولندا إلى رومانيا إلى تركيا.
فوز روسيا بالحرب
وفي حال فوز روسيا في أوكرانيا، سيواجه وضع ألمانيا في أوروبا تحديات كبيرة؛ حيث أن حلقة الأصدقاء التي أحاطت بها، خاصة في الشرق مع بولندا ودول البلطيق، تواجه خطر أن تزعزع روسيا استقرارها، وستضطلع فرنسا والمملكة المتحدة بأدوار قيادية في الشؤون الأوروبية بفضل جيوشهما القوية نسبيًا وباعهم الطويل في التدخلات العسكرية.
لكن ستظل الولايات المتحدة العامل الرئيسي في أوروبا، حيث سيعتمد الناتو على دعمها، كما ستفعل الدول المعرضة للخطر في شرق أوروبا.
وبالنسبة للولايات المتحدة، سيكون لانتصار روسيا آثار عميقة على استراتيجيتها الكبرى في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط، حيث إن نجاح روسيا في أوكرانيا سيتطلب من واشنطن التركيز على أوروبا.
ووفق "فورين أفيرز"، فإن الالتزام الأمريكي القوي بأمن أوروبا وحده من سيحيل دون تقسيم روسيا للدول الأوروبية عن بعضها البعض، وسيكون هذا صعبا في ظل تزاحم الأولويات، لاسيما تلك التي تواجه الولايات المتحدة في علاقتها المتدهورة مع الصين.
وأكدت المجلة الأمريكية أنه مع تطور الأزمة في أوكرانيا يجب على الغرب عدم الاستهانة بروسيا، أو الاعتماد على روايات يلهمها التمني، فانتصار موسكو في أوكرانيا ليس خيالا علميا.
وكانت أكدت الولايات المتحدة الأمريكية أن موسكو هي من نفذ الهجمات السيبرانية على الجيش الأوكراني والمصارف الحكومية بكييف.
وقالت آن نويبرجر مستشارة البيت الأبيض لعمليات القرصنة المعلوماتية "نرى أن الدولة الروسية هي المسؤولة عن الهجمات السيبرانية التي استهدفت مصارف أوكرانية هذا الأسبوع" في شبه تطابق لتحليل "فورين أفيرز" حول استراتيجيات موسكو للانتصار في اوكرانيا.
القتال في شرق اوكرانيا
وكان اشتعل، قتال شرس في منطقة شرق اوكرانيا بالمدفعية الثقيلة بين الجيش الأوكراني والانفصاليين الموالين لروسيا في سيناريو اشبه بعملية اضعاف اوكرانيا كما كشفت "فورين أفيرز".
فيما تسود مخاوف دولية من أن تتخذ موسكو التوترات بين كييف وانفصاليين موالين لها ذريعة للإقدام على "السيناريو الأسوأ" وغزو أوكرانيا حيث تحشد أكثر من مئة ألف جندي بالقرب من الحدود.
خاصة بعد تصويت مجلس النواب الروسي هذا الأسبوع لصالح مطالبة الرئيس فلاديمير بوتين بالاعتراف باستقلال المنطقتين الانفصاليتين المدعومتين من روسيا في شرق أوكرانيا، بينما طلب الاتحاد الأوروبي من موسكو عدم المضي في ذلك.
وتعيش كييف في حرب دائمة مع الانفصاليون الموالين لموسكو منذ ثماني سنوات غير ان خلال هذا الاسبوع ازدادت حدة القتال بشكل ملحوظ في سيناريو يحمل مستقبل اسود للدولة الاوكرانية.