القاعدة العسكرية الأمريكية في بولندا.. أكبر مخاوف روسيا في مواجهة الغرب
تشكل الأزمة الروسية الأوكرانية تحديا حقيقيا خاصة في حالة اختيار الحل الأصعب لتسوية النزاع بين موسكو من جهة وأوكرانيا المدعومة من الولايات المتحدة والغرب من جهة أخرى.
وفيما شهد الموقف منحى تصاعديا على الرغم من محاولات التهدئة لوح الرئيس الأمريكي جو بايدن بـ"التدخل العسكري" دفاعًا عن مصالح دول حلف الناتو وأمنها، وهو "الخيار الأصعب" في تلك الأزمة.
وبين التصعيد من كلا الطرفين يحبس العالم أنفاسه في انتظار انفجار من الممكن أن يهدد البشرية خاصة مع انعدام الثقة بين موسكو والولايات المتحدة التي تبني أكبر مخاوف روسيا في بولندا.
فعند حافة غابة في بولندا، تكمن أعمق مخاوف روسيا، حيث تقع منشأة صواريخ أمريكية في صميم حسابات الكرملين بشأن الحرب ضد أوكرانيا.
وكشفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، عن منشأة عسكرية أمريكية حساسة للغاية، من المتوقع تشغيلها هذا العام، والتي تصر واشنطن على أنها ستساعد في الدفاع عن أوروبا والولايات المتحدة من الصواريخ الباليستية التي تطلقها دول مارقة مثل إيران.
لكن بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تمثل القاعدة العسكرية في بولندا والأخرى في رومانيا، دليلا على "التهديد الذي يشكله توسع الناتو شرقا"، وجزءا من تبريره "لحصاره العسكري لأوكرانيا" كما ترى الصحيفة.
ويقول البنتاجون إن الموقعين دفاعيان ولا علاقة لهما بروسيا، لكن الكرملين يعتقد أنه يمكن استخدامهما لإسقاط الصواريخ الروسية أو إطلاق صواريخ كروز هجومية على موسكو.
وتصاعدت حدة التوتر وقت لاحق من اليوم، عندما قال مسؤولون أمريكيون إن "المزاعم" الروسية بشأن تقليص وجود القوات "مزيفة" وأن هناك أدلة جديدة على أن موسكو "تحشد من أجل الحرب."
فيما طالب بوتين بأن يقلص الناتو وجوده العسكري في أوروبا الشرقية والوسطى، وهو ما رفضته الولايات المتحدة وقادة أوروبا.
قواعد تثير غضب روسيا
وكان بوتين غاضبا بشأن الصواريخ الأمريكية قرب الحدود الروسية منذ تشغيل الموقع الروماني عام 2016، لكن المنشأة البولندية الواقعة قرب قرية ريدزيكوفو، تبعد حوالي 100 ميل من الأراضي الروسية وبالكاد 800 ميل من موسكو نفسها.
وقال بوتين خلال مؤتمره السنوي في ديسمبر: "هل نحن من ننشر صواريخ قرب الحدود الأمريكية؟ لا، لا نفعل ذلك. إنها الولايات المتحدة التي جاءت إلى ديارنا بصواريخها وتقف بالفعل على عتباتنا."
وتضم القاعدة البولندية رادارات متطورة قادرة على تعقب الصواريخ المعادية وتوجيه صواريخ اعتراضية لإسقاطها من السماء.
كما أنها مزودة بقاذفات صواريخ تعرف بـ"MK 41"، والتي يخشى الروس من إمكانية إعادة استخدامها بسهولة لإطلاق صواريخ هجومية مثل توماهوك.
وبالنسبة للقرويين في ريدزيكوفو، تسببت فكرة أنهم يعيشون بالمكان الذي يخشاه بوتين، في انتشار التوتر بين السكان المحليين، بسبب المخاوف من أن روسيا قد تقصف المنشأة الدفاعية الصاروخية في ريدزيكوفو.
لكن لا أحد يعتقد أن ذلك محتمل، إذ من شأنه أن يضع روسيا في صراع مباشر مع الناتو، الذي تنتمي إليه بولندا منذ عام 1999، بحسب "نيويورك تايمز"، مشيرة إلى تداعي افتراضات أوروبا الموحدة والسلمية التي انتشرت مع نهاية الحرب الباردة مع احتشاد القوات الروسية على الحدود مع أوكرانيا وإرسال الولايات المتحدة قوات إضافية إلى بولندا.
تهديد الناتو
ورأى كوياتكوفسكي أن روسيا "أججت القلق من خلال المبالغة في التهديد الذي يشكله الناتو"، لكنه أشار إلى أن كلا الجانبين اختلقا "آلة خوف ذاتية الدفع" تؤججها حالة عدم اليقين بشأن ما يستعد له الطرف الآخر.
وقال توماس جراهام، الذي عمل بمجلس الأمن القومي في إدارة الرئيس جورج دبليو بوش، إن موسكو لم تصدق قط تأكيدات واشنطن حول أن منظومة الدفاع الصاروخي تستهدف إيران وليس روسيا.
وأضاف: "الأزمة الحالية في الحقيقة أكبر من أوكرانيا. أوكرانيا هي نقطة ضغط لكن الأمر يتعلق أكثر ببولندا ورومانيا والبلطيق. يعتقد الروس أن الوقت قد حان لمراجعة تسوية ما بعد الحرب الباردة في أوروبا لصالحهم".
وطبقًا لـ"نيويورك تايمز"، لطالما اعتبرت روسيا الدفاع الصاروخي محاولة أمريكية خطيرة لتجريد الضامن الرئيسي لمكانتها كقوة عظمى، وهو الترسانة النووية الضخمة.
وأوضحت الصحيفة الأمريكية أن احتمال أن تتمكن الولايات المتحدة من إسقاط الصواريخ الباليستية الروسية يقوض عقيدة الردع المتمثلة في التدمير المؤكد المتبادل، الذي يفترض أن أيًا من أكبر قوتين نوويتين لن يخاطر أبدًا بحرب نووية لأن ذلك سيعني إبادة كليهما.
وخلال الحرب الباردة، عملت روسيا والولايات المتحدة على تطوير دفاعات مضادة للصواريخ، لكنهما اتفقتا عام 1972 على التخلي عن برامج الدرع الصاروخي للحفاظ على السلام المأمول.
الانسحاب من معاهدة الصواريخ المضادة للباليستية
ونجح الأمر لقرابة 30 عاما، غير أنه بنهاية العام الثاني من رئاسة بوتين في ديسمبر 2001، أثار الرئيس الأمريكي حينها، جورج دبليو بوش غضب الزعيم الروسي الجديد بالانسحاب من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية لعام 1972، موجها البنتاجون ببناء نظام لدرء التهديد المحتمل للصواريخ من إيران.
بينما أثرها بوتين في نفسه منتظرا الوقت المناسب للرد على الغطرسة الأمريكية لتمثل بذلك قضية أوكرانيا القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة للقوى العالمية القديمة الطامحة في زيادة السيطرة والنفوذ.
بينما يشهد العالم ساعات الرعب الأخير بين القوى النووية الأعظم على الكوكب في محاولة اوروبية حثيثة لإيجاد سبيل للتفاهم بين واشنطن وموسكو وهوا ما يبدون قريبا بعدما تدخلت ألمانيا بزيارة للمستشار الألماني أولاف شولتس والتي من الواضح أنه تم خلالها اتخاذ خطوات دون أن يتم الإعلان عنها بشكل كامل وأن برلين ربما نجحت فيما لم تنجح فيه باريس في الدفع بحلول دبلوماسية، خاصة بعدما أعلنت روسيا عن سحب فرق من قواتها من على الحدود مع أوكرانيا.