رئيس التحرير
عصام كامل

د. جودة عبد الخالق: تعويم الجنيه أضر باقتصاد مصر.. ورفع الفائدة لن ينهى التضخم | حوار

د. جودة عبد الخالق
د. جودة عبد الخالق

مصر استوردت طعامًا للحيوانات فى الربع الأول من العام الماضى بنحو 40 مليون دولار


الغلاء يشعر به الفقراء فقط ويؤدى للعنف الأسرى


فرضية الحكومة بأن ترك العملة لقوى العرض والطلب غير قائمة بالمرة


طبع النقود لن يقضى على عجز الموازنة 


يجب وضع ملف إعادة فتح المصانع على رأس أولويات الدولة

 

أكد الدكتور جودة عبد الخالق أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، ووزير التموين الأسبق، أن تزايد معدلات التضخم كان نتاجا لأسباب محددة رغم عالمية الظاهرة، مؤكدًا في حوار مع فيتو أن من بين هذه الأسباب هو اللجوء للحل الأسهل من جانب الحكومة فى طبع النقود، وهو الأمر الذى يترتب عليه انخفاض قيمتها، إلا أن محدودى الدخل يشعرون بالتأثير السلبى على مستواهم المعيشى نتيجة هذه الخطوة، وغير ذلك من الحقائق والتفاصيل والأسرار والأرقام في نص الحوار التالي:

 

*فى البداية، نريد التعرف على أسباب تزايد معدلات التضخم خلال الفترة الأخيرة؟
يجب أن نعترف أن التضخم على المستوى المحلى يمثل مشكلة مزمنة، لدرجة أن المواطن أصبح يختار لها اسم «الغلاء فى السلع» فضلا عن أن التضخم مشمول بمعان عديدة، وهذا الأمر مرتبط بتعويم الجنيه الذى أدى إلى انخفاض قيمته فى عام 2016، ونتج عن ذلك تضخم وصل إلى 33%، ورغم أن هذا التضخم بدأ فى الانخفاض رويدا رويدا 

إلا أنه عاد من جديد للارتفاع ووصل خلال يناير إلى نقطة مئوية واحدة، وهذه نسبة كبيرة، وبالتالى عندما نقارن بين معدل التضخم فى يناير 2017 ويناير 2021 نجد أن نسبة التضخم تصل لحوالى 70%، إذن التضخم يرتفع لدينا، ولذلك اتخذ البنك المركزى قرارا برفع سعر الفائدة.


*لكن الحكومة فرضت بالفعل قيودًا على الواردات، وتحرير سعر صرف الجنيه كان أحد هذه الإجراءات؟
هذا صحيح، لكن ما أقصده أن هذه الإجراءات غير كافية، ولا تتناسب مع حجم المشكلات الاقتصادية الراهنة، وكان من الأولى اتخاذ إجراءات لتقييد الواردات تصل إلى حد حظر بعض البنود واتفاقية «الجات» والعضوية فى منظمة التجارة العالمية تتيح لك ذلك، إذ إن وضعك الاقتصادى مأزوم، 

وصدمات أخرى خارجية منها التراجع الشديد فى الحركة السياحية وفى تحويلات العاملين بالخارج، وأيضا تراجع الاستثمارات الأجنبية، كل هذه الصدمات تسببت فى ضغوط كثيرة على قيمة الجنيه،


ويبقى السؤال: هل التعويم كان حلًّا ناجعًا؟ فى رأيى: لا، لعدة أسباب، أولها: طالما أن الباب لا يزال مفتوحًا للواردات، وطالما أن الخلل فى توزيع الثروة والدخل فى هذا المجتمع كما هو، فسيظل القادرون مستعدون لدفع ثمن أي سلعة مهما غلا ثمنها


وفى ظل هذه القرارات استورد هذا البلد طعامًا للحيوانات فى الربع الأول من العام الماضى بنحو 40 مليون دولار، وما دام هناك خلل فى توزيع الدخل كما هو قائم حاليًا، فإن «التعويم» ليس أداة مُثلى لضبط الواردات.


ثانيًا: نتيجة السياسات التى طُبقت منذ زمن «الانفتاح الاقتصادى» خلال عقد السبعينيات من القرن الماضى وحتى الآن، أهملت قضية الإنتاج، وأصبح هيكل الإنتاج فى هذا البلد يعتمد بشكل مفرط على الواردات من الخارج 


وتقريبًا كل الصناعات المحلية، السيارات والصناعات الهندسية إلخ.. تعتمد على واردات من الخارج بشكل كبير للغاية، لدرجة أن دراسات ميدانية تشير إلى أن المكون الأجنبى لإنتاج مدينة العاشر من رمضان الصناعية يتجاوز 60%.

 

*إذن.. أنت ترى أن التعويم لم يكن حلًا أمثل؟
التعويم أدى إلى تراجع هيكل الإنتاج فيما يتعلق بتأمين الاحتياجات الأساسية من الغذاء، فمصر تعتمد على الخارج بنسبة 55% من تأمين احتياجاتها من القمح، وأكثر من 80% من احتياجاتها من زيت الطعام، و60% من الذرة، وهذه سلع أساسية لا غنى عنها


وبالتالى فإن التعويم أدى إلى ارتفاع تكلفة تدبير الاحتياجات الأساسية من الغذاء، وأصبحت أنت أمام خيارين، إما أن تُحمِّل كاهل الأسرة هذه الزيادة، أو تُثقل بها كاهل خزانة الدولة من خلال الدعم
وهنا أشير إلى أن اعتقاد الحكومة بأن ترك العملة لقوى العرض والطلب ليستعيد الاقتصاد توازنه، ظل فرضًا غير قائم بالمرة

 وكان من الممكن أن يكون التعويم حلا ممكنًا إذا توافرت عدة شروط، منها قدر لا بأس به من التوزيع العادل للدخل والثروة، وحال وجود هيكل إنتاجى قوى، وقدرة على تأمين الاحتياجات الأساسية، وهذه شروط لم تؤخذ فى الاعتبار


والنتيجة أن الحكومة رفعت تكلفة تدبير احتياجاتها الأساسية من الغذاء، وزادت من فاتورة الدعم، إذ إن فاتورة دعم الطاقة فى الربع المالى الأخير زادت على كافة مخصصات دعم الطاقة فى العام المالى كله، طبقًا لخطة الموازنة العامة للدولة، وذلك لسببين، أولهما: تراجع قيمة الجنيه مقابل الدولار. ثانيًا: ارتفاع قيمة الواردات البترولية.

 

*لكن البعض يصف الأمر بأن التضخم ظاهرة عالمية، فما رأيك؟
هذا الكلام صحيح جزئيا، ولكن فى الحالة المصرية الارتفاع نتيجة ارتفاع الأسعار عالميا مثل القمح وزيت الطعام، وهذا يرجع إلى أنه فى مواجهة أزمة جائحة كورونا عملت معظم دول العالم على الحيلولة دون حدوث كساد اقتصادى من خلال تخفيض سعر الفائدة


ومن ثم يمكن القول إن هناك عوامل أدت لتزايد الحالة، على رأسها سياسة طبع النقود، لأن الحكومة تمول جزءًا من عجز الموازنة عن طريق طبع النقود، مما أدى إلى انخفاض قيمتها بلا ضوابط، بالإضافة إلى ذلك ارتفاع أسعار عدد من السلع فى الأسواق العالمية، وعلى رأسها القمح، خاصة ونحن نستورد تقريبا نصف احتياجاتنا من الغذاء


أضف إلى ذلك انفلات الأسعار فى الأسواق، وعدم وجود أي ضوابط رغم وجود جهاز حماية المستهلك والرقابة على الأسواق، إذن هناك أسباب نقدية وأخرى هيكلية، هذه الأسباب هى التى تفسر زيادة معدل التضخم.

*وما هى الآثار المترتبة على تزايد معدلات التضخم من وجهة نظرك؟
بطبيعة الحال التضخم له آثاره السلبية، لأن المعروف أن التضخم يعيد توزيع الدخل من أصحاب الدخول الثابتة الذين يعيشون على المرتبات والفوائد إلى أصحاب الدخول المتغيرة مثل رجال الأعمال، هذا من ناحية


ومن ناحية أخرى فإن التضخم يؤدى إلى تفاوت متزايد فى توزيع الدخل، بالإضافة إلى أنه يؤدى إلى اتساع معدلات الفقر، وهذا يولد ضغطا على الطبقة الوسطى التى تعيش على الأجور والمرتبات مثل العاملين بالقطاع العام


وهذا يعنى أن المستوى الاجتماعى ينزل مع الانخفاض الاقتصادى، وهو ما يعطى مؤشرا بالغ الأهمية، وهو عندما تتقلص الطبقة الوسطى فإن هذا يكون نذير شؤم من الناحية السياسية، فتظهر الخزعبلات والمهرجانات، وهذا أحد نتائج الفقر


إلى جانب الآثار الاجتماعية الأخرى من خفض ميزانية الأسرة، الأمر الذى يترتب عليه تزايد العنف الأسرى والانفصال إلى جانب ارتفاع معدلات الجريمة.

 

*وهل هناك إمكانية للتغلب على التضخم وما هى الحلول؟
دائما الحلول موجودة، لكن البنك المركزى عندما رفع سعر الفائدة لمواجهة التضخم مع احترامى لهذه الخطوة إلا أنها لا يتناسب مع علاج المشكلة، والتى تعود فى الأساس إلى طبع النقود وانفلات الأسعار، وبالتالى هذه الخطوة لا تأثير لها، وبالتالى نحن فى حاجة أن يقوم البنك المركزى ووزارة المالية، بالإضافة إلى كيان ثالث تحدده الدولة بتنفيذ إستراتيجية واحدة لمحاربة التضخم
وإلا فإن البنك المركزى ورفع سعر الفائدة لن يحل المشكلة إلى جانب التفاوض مع الشركاء التجاريين لخفض الواردات، إلى جانب قيام الحكومة بالتفاوض مع صندوق النقد الدولى لفرض قيود على الواردات. 


بالإضافة إلى ذلك لا بد من خفض الإنفاق الحكومى فى الموازنة، لأن زيادة التضخم يؤدى إلى تآكل قيمة الجنيه المصرى، ومن هنا يجب وضع ملف إعادة فتح المصانع على رأس أولويات الدولة، لأن ذلك سيكون بندا رئيسيا فى كيفية جذب الاستثمارات الجديدة لمصر.


بالإضافة إلى ذلك لا بد من أن يقوم المجلس التنسيقى الذى ينسق السياسات النقدية للبنك المركزى والسياسة الخاصة لوزارة المالية بدوره بالدرجة المطلوبة لمواجهة التضخم، والذى تظهر ملامحه فى انفلات الأسعار رغم وجود جهاز حماية المنافسة وحماية المستهلك، إلا أنه لا توجد ضوابط للأسعار، عملا بالمثل القائل «العين ما تعلاش على الحاجب»، فالعين هى الحكومة، والحاجب هو الأسعار.

 

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"

الجريدة الرسمية