تكدير مرضى «العلاج على نفقة الدولة»
رأيته يمشى الهُوينى يقدم خطوة ويؤخر أخرى، تبدو على وجهه تجاعيد وخطوط يوحي كل خط فيها بعقد مضى من عمره الذي قارب من العمر السبعين عاما.. يحمل بين يديه ورقة يشيح بها يمينا ويسارا، كأنه يريد أن يلقي بها ويُمحي ما ارتبط بها في ذاكرته من عناء.
أخذت أتتبعه خطوة تلو أخرى، وفوجئت به يخاطب الورقة قائلا: «انتِ التي عذبونا من أجلك.. 40 كيلومترا»، وجدته على سمته علامات الوقار وعلمت من كلماته أنه يسخر من واقع صعب يعانيه فسألته: «أتكلم ورقة يا حاج؟»، لمست من كلامه أن وراءه أزمة دفينة حال إخفائها وعلمت من كلامه أنه يتلقى العلاج على نفقة الدولة.
وكان لزاما على ذلك الرجل المسن، أن يذهب إلى أحد مراكز الأورام الحكومية؛ إلتزاما بالمتابعة الدورية المقررة عليه وفق تعليمات الأطباء، وفوجئ بالمركز الحكومي الموقر يطلب منه «ورقة» من التأمين الصحي تثبت أن ذلك الرجل غير خاضع للتأمين الصحي.
وهو على ألمه ومعاناته يثمن دور الدولة في العلاج قائلا: «الحق يقال يا ولدي».. لمست منه معاناة حقيقة وإنصافا في ذات الوقت.. وعلمت منه أن تلك «الورقة» تطلب منه ومن أمثاله بشكل دوري.. والسؤال الآن الموجه إلى المسؤولين: إذا كانت الدولة قد باشرت دورها بشأن المرضى الذين يتلقون العلاج على نفقتها؛ فلماذا لا تتم جميلها وتوفيه وتريحهم من عناء الانتقالات التي ترهقهم وتضاعف معاناتهم..
أما آن لنا أن نتفاعل بقوة بما وصلت إليه مؤسسات الدولة من قدرات رقمية أولى بها الربط فيما بينها بحيث لا يضطر أولئك المرضى ومنهم المسن والفقير والضعيف.. الانتقال لمسافات طويلة لتوقيع ورقة كتلك الورقة المشار إليها؟
أتمنى من المسؤولين الأفاضل الوصول إلى إجابات تطمئن قلوب أولئك المرضى.. والله من وراء القصد.