رئيس التحرير
عصام كامل

مدبولي: إني لا أكذب ولكني أتجمل (4)

استكمالا للتعليق على حوار الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، وتصريحاته خلال الحوار الذي أجرته معه قناة BBC عربي على هامش انعقاد الدورة الرابعة من منتدى شباب العالم، ضمن برنامج بلا قيود، ونكمل الحديث في خطأ لجوء الدولة ل صندوق النقد الدولي للاقتراض منه، حيث في نوفمبر 2016، وافق الصندوق على تقديم المساعدة المالية لمصر بقيمة 12 مليار دولار أمريكي على ستة شرائح خلال ثلاث سنوات. وفي يوليو2019، قرر المجلس التنفيذي للصندوق صرف الشريحة الأخيرة من القرض بقيمة 2 مليار دولار بعد المراجعة الخامسة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي.

 

ولا شك أن لجوء الدول للاستدانة من صندوق النقد ينبغي أن تسبقه دراسة جيدة للاستفادة من ذلك القرض، مع الرد على سؤال محوري وهو هل سيؤثر ذلك القرض على الطبقة الكادحة أم لا؟ وهل يلائم الدولة المقترض؟ طبعا بالنسبة لمصر لم يكن القرض الحل الامثل، حيث إن مصر بمقتضى ذلك القرض ألقت بالطبقة الفقيرة للجحيم، ذلك لأن صندوق النقد –وكما يرى الدكتور رمضان إبراهيم، أستاذ الاقتصاد التنموي- يبدأ مفاوضاته باشتراط مباشر أن تعمل الدولة طالبة القرض على تقليل معدلات الدعم، حيث يطلب من القائمين على القرارات السياسية والاقتصادية تخفيض دعم أسعار السلع الأساسية، وهو ما يؤدي مباشرة إلى عجز الفقراء ومحدودي الدخل عن الوفاء بمتطلبات الحياة الأساسية، ويوسع دائرة الفقر، وتهبط أعدادًا كبيرة من المواطنين تحت خط الفقر العام في الدولة.

 

ورغم أن النوايا الطيبة قد تكون موجودة، فالدولة تتصور أن بإمكانها أن تحسن اقتصادها من خلال قرض الصندوق، ولكن الأخير يعمل كأي دائن، فهو يصر على فرض دائرة الأمان لنفسه، لضمان قدرة الدولة على السداد، وبالتالي يضع شروطه ويحصل على ضمانات كاملة لتنفيذها، وأولها هو التعرف على كل التفاصيل المتعلقة باقتصاد الدولة الداخلي والخارجي، بالإضافة إلى الموازنة العامة للدولة. مما يجعل الصندوق يعيد تجربة المراقبين للاقتصاد المصري أيام الاحتلال الإنجليزي لمصر.

 

القروض والدعم

 

ومن الأسباب الرئيسية التي تجعل مسألة خفض الدعم تدريجيًا وصولًا إلى إلغائه، مطلبًا رئيسيًا للصندوق، أن تقليل الدعم، وخصوصًا على السلع الغذائية والطاقة، يضمن أن تتوفر فوائض مادية لدى الدولة لسداد قيمة أقساط القرض، ولكن الأثار السلبية التي تترتب على ذلك هو أن الدولة تصبح بين مطرقة موعد القسط، وسندان احتياجات المواطنين.

 

وعند الرد المباشر على رئيس الوزراء بشان قدرة الدولة على سداد فوائد القروض التي جرتها سياسته على مصر، فصار الدين الخارجي بقيمة 137 مليار دولار والدين الداخلي تجاوز 6 تريليون جنيه، نؤكد أنه حتى تتمكن الدولة من سداد ديونها ينبغي أن تهتم اهتماما بالغا بمسألة النمو التصنيعي والاتجاه نحو زيادة المصانع والصناعات المختلفة، فبذلك تستطيع الدولة أن تسدد ديونها من عائد التصنيع والتصدير، لكن أن تأخذ الدولة القرض لتدبيش الترع وإنشاء الكباري وإنشاء الوحدات السكنية الخ.. فإن ذلك رغم أنه يقدم صورة عن تطور الدولة، لكنه لن يساعد في سداد القروض إلا بنسبة ضئيلة.. 

 

والأمر في ذلك يشبه إنسان اقترض 100 ألف جنيه من البنك وأخذ يجمل ويزين بهم منزله من محارة ونقاشة وسباكة الخ، فرغم أن الناس جميعا ستعجب بمنزله لكنه لن يستطيع أن يسدد هذا الدين إلا من دخله الشهري بالفرض أنه يعمل موظفا، وبالتالي فسيأخذ من مرتبه لسداد القرض؛ مما سيؤثر على معيشة أولاده وتعليمهم وصحتهم ورعايتهم، حيث سيخفض في كل ذلك من أجل سداد القرض، وهو ما حدث بالتطابق مع مصر.. 

 

 

فالدولة صارت من أجل سداد فوائد الديون تأخذ 50% من حصيلة الدخل القومي التي تحصلها من الضرائب وقناة السويس الخ، وتنفقها في سداد فوائد القروض بدلا من أن تعيدها لتدعم مجالات الصحة والتعليم ومساندة الفقراء؛ مما جعل الفقير بسبب هذه القروض يزداد فقرا بصورة كبيرة جدا، وتضطر الدولة لرفع أسعار كافة السلع والخدمات ورفع الدعم عن المستحقين والحرمان من بطاقة التموين الخ، من أجل سداد فوائد القروض، ولو أن الدولة كانت رشيدة لما لجأت للقرض أو على الأقل وجهته في إنشاء المصانع والصناعات المنتجة لتنافس بها عالميا، فيكون الدخل الكبير الذي من خلاله تسدد القروض بدلا من توجيه القروض لما لا طائل أو فائدة منه الآن، ومن الممكن أن يؤجل لمرحلة أخرى. 

 

وهذا الأمر –أي الاقتراض من أجل التوسع في الصناعة– هو ما قامت به النمور الآسيوية، فليس صحيحا ما قاله رئيس الوزراء ان النمور الآسيوية لجأت للقروض مثل مصر، وانطلقت، وإنما الصحيح أن النمور الآسيوية التي اقترضت وجهت القروض إلى نمو الصناعة وليس تدبيش الترع وإعادة إحلال مبان الوحدات الصحية الجديدة لإنشاء أخرى جديدة كذلك دون طائل أو فائدة وإنما إهدار للقروض والمال العام. 

 

 

وقد يجيب أحدهم بان الصناعة تشهد ازدهارا بدليل إقامة مدينة صناعة الأثاث في دمياط بمساحة تتخطي 330 فدانا، وتدشين مدينة للنسيج في السادات بالمنوفية والتي تقام على مساحة 3.1 مليون متر باستثمارات مصرية وشراكة صينية. وتشغيل مدينة الروبيكى للجلود على مساحة 160 فدانا، فنؤكد أن هذه المدن الصناعية كانت موجودة بالفعل كصناعة لكن الدول أزالت بعض أماكنها وأنشأت أخرى، كما أغلقت عدد من القلاع الصناعية مثل الحديد والصلب وباعتها ولم تحل محلها صناعة كبرى مثلها، وما أقامته الدولة لا يمكن أن يؤدي أبدا إلى التطور والمنافسة العالمية في الصناعة، بدليل زيادة القروض وطرح الدولة كل فترة بسيطة سندات خزانة وأذون داخلية وخارجية من أجل الاقتراض، لتصبح من أكثر دول العالما اقتراضا، والدولة في سياستها الاقتصادية منذ 8 سنوات، وكل سنة يزداد معدل الاقتراض، فهل هذا يعني التوسع في الصناعة والسياسة الاقتصادية الرشيدة؟!

للحديث بقية

الجريدة الرسمية