باحث: لا يجوز الالتحاق بالطرق الصوفية إلا بعد استيعاب الشريعة
قال تمجيد مكي، الباحث في التراث أنه لا يجب الالتحاق بساحات الطرق الصوفية أو حتى الشروع في إقامة طرق صوفية جديدة إلا بعد استيعاب الشريعة أولا، فلا يصحّ بناء فرعٍ قبل تأسيس أصله، والشريعة أصل وعليه تُبنى الطريقة والحقيقة كما تقدّم، على حد قوله.
الشريعة أصل كل شيء
وينقل تمجيد عن قول الإمام السرهندي: "الشريعة أصل وأساس المعاملة، وكلَّما يتعالى هذا الشجر أو يتطاول هذا البنيان، ويُبنى فوقه القصور والإيوان، لا يستغنيان عن الأصل والأساس ولا يزول عنهما الاحتياج الذاتي.
وأردف: قال بعض كبار الأعلام: نهاية الفقه بداية الطريق، أي لا يُستطاع الوصول إلى الطريقة لمن لم يتفقه ويلتزمْ بظاهر الشريعة ويعملْ بعلمه مع التقوى والاستقامة، فلا طريقة بلا شريعة، ويضيف: الإمام عبد الوهّاب الشعراني رحمه الله تعالى كان يقول:
“لو أن الفقهاء عادة يعتنون بالعمل بعلمهم كما يعتني الصوفية لكانوا هم الصوفيةَ، ولم يحوجوا طالبًا إلى غيرهم، كما كان عليه السلف الصالح من العلماء، لهذا فإن حقيقة الصوفي أنه عالم عمل بعلمه على وجه الإخلاص لا غير”.
وأضاف الباحث: من يزعم أن الصوفيّةَ أهلُ العلم الباطن، وأن علماء الشريعة أهلُ العلم الظاهر لايعرف العلم الصحيح، فلا يصح الحكم على الصوفية بأنهم أهل حقٍّ أم باطلٍ، لأن الطريقة يجب أن مبنيّةٌ على أصل الشريعة.
واستكمل: قال الإمام ابن عجيبة: لا يصح الانتقال إلى مقام حتى يحقق ما قبله، فمن أشرقت بدايته أشرقت نهايته، ولا ينتقل إلى عمل الطريقة حتى يحقق عمل الشريعة وترتاض جوارحه معها، بأن يحقق التوبة بشرطها ويحقق التقوى بأركانها، ويحقق الاستقامة بأقسامها، وهي متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله، فإذا تزكى الظاهر وتنوّر بالشريعة، انتقل من عمل الشريعة الظاهرة إلى عمل الطريقة الباطنة.
واختتم حديثه قائلا: الشريعة أولا ثم الطريقة ثم الحقيقة، فمن ترك هذا الترتيب لا يصِل إلى مبتغاه على حد قوله.
عن الصوفية
والصوفية أو التصوف هو مذهب إسلامي، لكن وفق الرؤية الصوفية ليست مذهبًا، وإنما هو أحد مراتب الدين الثلاثة الإسلام، الإيمان، الإحسان، فمثلما اهتم الفقه بتعاليم شريعة الإسلام، وعلم العقيدة بالإيمان، اهتم التصوف بتحقيق مقام الإحسان والسلوك وتربية النفس والقلب وتطهيرهما من الرذائل وتحليتهما بالفضائل، وهو الركن الثالث من أركان الدين الإسلامي الكامل بعد ركني الإسلام والإيمان، بحسب الصوفية.
وانتشرت حركة التصوف في العالم الإسلامي مع قدوم القرن الثالث الهجري كنزعات فردية تدعو إلى الزهد وشدة العبادة، ثم تطورت تلك النزعات بعد ذلك حتى صارت طرقا مميزة متنوعة معروفة باسم الطرق الصوفية.
ويزخر التاريخ الإسلامي بعلماء مسلمين انتسبوا للتصوف مثل الجنيد البغدادي، وأحمد الرفاعي، وعبد القادر الجيلاني، أحمد البدوي، وإبراهيم الدسوقي وأبو الحسن الشاذلي، وأبو مدين الغوث، ومحي الدين بن عربي، وشمس التبريزي، وجلال الدين الرومي، والنووي، والغزالي، والعز بن عبد السلام.
وانتسب من القادة التاريخيون للصوفية كل من صلاح الدين الأيوبي، ومحمد الفاتح، والأمير عبد القادر، وعمر المختار.
ويقول الإمام الصوفي أحمد بن عجيبة: «مقام الإسلام يُعبّر عنه بالشريعة، ومقام الإيمان بالطريقة، ومقام الإحسان بالحقيقة، فالشريعة تكليف الظواهر والطريقة تصفية الضمائر والحقيقة شهود الحق في تجليات المظاهر.
ويضيف: الشريعة أن تعبد الله، والطريقة أن تقصده، والحقيقة أن تشهده، وقال أيضًا: الصوفية هي تصفية البواطن بالرياضة والجهاد بقصد التزيد في الإيمان، والإحسان كما تضمنه حديث جبريل هو: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.