موسم الهجوم على السعودية
ما بين مصر والمملكة العربية السعودية من أواصر الترابط الإنسانى والتاريخى والمصير المشترك ما يفرض علينا أن نعى ماهية الهجوم الذى تصدر مواقع التواصل الاجتماعى مؤخرا.. ملايين المصريين يعيشون فى المملكة العربية السعودية كمواطنين لهم حقوق المواطن السعودى وفرصُهُ فى العمل والعيش الكريم، وفى مصر قرابة الـ٦٠٠ ألف مواطن سعودى يعيشون بيننا كما نعيش.
مصالح البلدين تتشابك إلى حد الارتباط الوثيق، ووقائع التاريخ تؤكد أن تلك العلاقات لم تنقطع نهائيا حتى فى حقبة القطيعة العربية بعد توقيع معاهدة السلام عام ١٩٧٩م. ظل خيط العلاقات السعودية المصرية وثيقا رغم القطيعة، واستمرت أجهزة من الدولتين على تواصل مستمر فيما يخص أمن البلدين وما يحيق بهما من مخاطر.
ما نقوله ليس من باب العاطفة، رغم أن العاطفة المصرية سعودية الهوى، وكيف لا نهوى بلد الحرمين ومقر ومستقر بيت النبى الأمى الذى جاء رحمة للعالمين. وما نذكره من باب المصالح لا يلغي تلك العاطفة المتجذرة فى نفوس المصريين، ومن أراد برهانا يطالع جدران بيوت العامة فى بلادنا ليرى بأم عينه رسومات شعيرة الحج فى القرى والنجوع والمدن.
ومصالح البلدين لن تكون رهينة كتائب تعمل لصالح أنظمة وجماعات شريرة لا تبتغى صالحا لنا أو لهم ولا يخفى علينا تزامن ذلك مع مطاردة جماعات الشر فى العاصمتين. ومعركة السوشيال ميديا ليس مقصودا منها شخص ترك آل الشيخ أو حفلات الترفيه فى الرياض، وإنما تتعدى ذلك لتصل إلى مصالح العباد هنا وهناك، فتعكير صفو العلاقات بين البلدين خطة ممنهجة تنتظر فقط مجرد سبب حتى لو كان تافها.
علاقات تاريخية
والحق أقول إن الهجمات المتتالية التى تطلقها جماعات الشر كانت تجد صداها قديما قبل أن يصل إلى الحكم فى القطرين الشقيقين، عقلاء يعون ويدركون حجم ما يُحاك للأمة العربية كلها. مصر والسعودية ركيزتان أساسيتان ودعامتان من دعائم استقرار الأمة العربية ومنطقة الشرق الأوسط، ولا يخفى علينا حجم الأضرار التى لحقت بأمتنا عندما طال الضباب العلاقات البينية.
مَن منا ينسى ذلك المشهد التاريخى للرئيس الراحل أنور السادات مصطحبا الملك فيصل على جسر العبور بقناة السويس بعد انتصار أكتوبر العظيم. ومن منا ينسى مواقف الملك فيصل رغم كل ما جرى بين البلدين فى تلك الفترة.. تلك المواقف التى عبر خلالها الملك فيصل عن دعمه وموقفه النبيل من معركة الكرامة العربية.
التاريخ بين البلدين سلسلة من الجهاد من أجل العروبة ومستقبل منطقة الشرق الأوسط، ويكفى أن المملكة لا تزال حتى تاريخه صاحبة موقف من التطبيع مع الكيان الصهيونى لا يمكن لأحد أن يزايد عليه.
فى الوقت الذى تتعرض فيه المملكة لهجمات إرهابية من قبل تنظيم الحوثيين الإرهابى لا يمكن لمصر أن تقف مكتوفة الأيدى كما لم تقف المملكة صامتة أمام خطر الإخوان فى مصر، فكانت داعما أساسيا لنا وقت الأزمة العنيفة بعد إزاحة الإخوان.
ما تنتهجه المملكة العربية السعودية من انفتاح هو شأن داخلى لا يجوز لأحد أن يتدخل فيها، من حق صانع القرار السعودي أن يرى ما يرى من وسائل انفتاح أو طرق خروج من الانغلاق الذى كان حاصلا لعقود طويلة. مسألة رفض فنان المشاركة أو موافقة آخر فى مواسم الترفيه بالسعودية أيضا شأن خاص بالفنان لا يجوز له أن يفرض موقفه أو يسوقه باعتباره صاحب الرؤية الصائبة دون غيره.
المثير أننا نجد أنفسنا أمام تظاهرة لا علاقة لها بالشعبين، وإنما تقودها كتائب معروفة تستهدف النيل من علاقات البلدين، والأكثر إثارة أن يسقط فى هذا الفخ بعض ممن نتصورهم أنضج من السقوط فيه.. انتبهوا، فإن ما يحاك ضد مصالحنا جميعا فى وقت نحتاج فيه إلى اللحمة العربية أكبر من أن نتحمل نتائجه، فالقضية أكبر بكثير من فكرة الانفتاح السعودى أو مواسم الرياض الترفيهية.