رئيس التحرير
عصام كامل

البابا تواضروس: استنارة الأنبا أنطونيوس جعلته يترك العالم ويؤسس الرهبنة

البابا تواضروس
البابا تواضروس

قال قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، إن الأنبا أنطونيوس، وصل للاستنارة التي من خلالها ترك العالم واتجه للبرية، وتأسست الحياة الرهبانية على يديه.

وأكد قداسة البابا أن الأنبا أنطونيوس كان نورًا للعالم كله وذلك من خلال أنه:
- انطلق من الإنجيل: حينما اعتبر أن الآية "إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ كَامِلًا فَاذْهَبْ وَبعْ أَمْلاَكَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي" (مت ١٩: ٢١) التي سمعها في الكنيسة، بمثابة رسالة شخصية من الله، فانطلق إلى البرية تاركًا العالم.
- عاش بالإنجيل: من خلال قراءته المستمرة في الكتاب المقدس وحرصه على تطبيق الوصية.
- علم من خلال الإنجيل: فكان يعلم تلاميذه وكل من يأتيه من الإنجيل.

واحيت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تذكار نياحة القديس الأنبا انطونيوس أب جميع الرهبان (22 طوبة)

وُلد هذا البارّ سنة 251م، في بلد قمن العروس، من والدين غنيين محبين للكنائس والفقراء، فربياه في مخافة الله. ولما بلغ عشرين سنة، مات أبواه فكان عليه أن يعتني بأخته. ويومًا ما، دخل الكنيسة فسمِع قول السيد المسيح في الإنجيل: "«إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ كَامِلًا فَٱذْهَبْ وَبعْ أَمْلاَكَكَ وَأَعْطِ ٱلْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي ٱلسَّمَاءِ، وَتَعَالَ ٱتْبَعْنِي»." (مت 19: 21)؛ فعاد إلى بيته مصممًا على إطاعة هذه الوصية فورًا؛ وأخذ في توزيع أمواله على الفقراء والمساكين، وسلم أخته للعذارى.  

ولم يكُن نظام الرهبنة قد ظهر بعد، بل كان كل من أراد الوحدة يتخذ له مكانًا خارج المدينة، ففعل هكذا الشاب أنطونيوس واعتزل للنسك والعبادة. وكان الشيطان يحاربه في وحدته بالملل وبالكسل وبخيالات النساء، وكان يتغلب على هذه كلها بقوة السيد المسيح.

وبعد هذا مضى القديس إلى أحد القبور وأقام فيه وأغلق بابه عليه. وكان بعض أصدقائه يأتون إليه بما يقتات به. فلما رأى الشيطان نسكه وعبادته الحارة حسده وهجم عليه وضربه ضربًا موجعا وتركه طريحًا! فلما أتى أصدقاؤه يفتقدونه، وجدوه على هذه الحال، فحملوه إلى الكنيسة. وإذ وجد القديس نفسه أنه تماثل من المرض قليلًا، عاد إلى مكانه الأول. فعاود الشيطان محاربته بأشكال متنوعة في صور وحوش وذئاب وأُسود وثعابين وعقارب، مصوِّرًا له أن كلاًّ منها يهم ليمزقه! أما القديس، فكان يخاطبهم: لو كان لكم عليَّ سلطان، لكان واحد منكم يكفي لمحاربتي؛ وعند ذلك كانوا يتوارَون من أمامه كالدخان إذ أعطاه الرب الغلبة على الشيطان. وكان يترنم بهذا المزمور: "يَقُومُ ٱللهُ. يَتَبَدَّدُ أَعْدَاؤُهُ، وَيَهْرُبُ مُبْغِضُوهُ مِنْ أَمَامِ وَجْهِهِ." (مز 68: 1).  

وكان القديس يُعد لنفسه من الخبز ما يكفيه ستة أشهر كاملة. ولم يسمح لأحد بالدخول، بل من أراد لقاءه يقف خارجًا ويستمع إلى نصائحه. وقد استمر القديس على هذه الحال عشرين سنة وهو يتعبد بنسك عظيم. ثم مضى بأمر الرب إلى الفيوم وثبت الإخوة هناك، ثم عاد إلى مكانه.  

وفي زمن الاستشهاد تاق أن يصير شهيدًا، فمضى إلى الإسكندرية، وكان يفتقد المسجونين بسبب اعترافهم باسم المسيح ويعزيهم. فلما رأى منه الحاكم المجاهرة بالسيد المسيح وعدم المبالاة، أمر ألا يظهر بالمدينة البتة. لكن القديس لم يعبأ بالتهديد، وكان يواجه الحاكم ويُحاجّه، لعله يسوقه إلى العذاب ثم الاستشهاد شهوته، لكن لأن الرب حفِظه لمنفعة كثيرين فقد تركه الحاكم وشأنه. وبتدبير من الله رجِع القديس إلى مكانه.

وكثر الذين يترددون على القديس ليسمعوا تعاليمه؛ فرأى أن ذلك يشغله عن العبادة، فأخذ يتوغل في الصحراء الشرقية، ومضى مع قوم أعراب إلى داخل البرية على مسيرة ثلاثة أيام، حيث وجد عين ماء وبعض النخيل، فاختار ذلك الموضع وأقام فيه. وكان العرب يأتون إليه بالخبز. وكانت بالبرية وحوش كثيرة طردها الرب من هناك من أجله.

وبلغ صيت القديس إلى الملك قسطنطين؛ فكتب إليه يمتدحه طالبًا صلاته من أجله. ففرِح الإخوة بكتاب الملك، أما هو فلم يحفل به وقال لهم: هوذا كتب الله ملك الملوك ورب الأرباب توصينا كل يوم ونحن لا نلتفت إليها، بل نعرض عنها! وبإلحاح الإخوة عليه، قائلين إن الملك قسطنطين محب للكنيسة، قبِل القديس أن يكتُب إليه خطابًا باركه فيه، طالبًا سلام المملكة والكنيسة.

وفي يوم، اعترى القديس ملل، فسمع صوتًا يقول له: اخرج خارجًا وانظر. فخرج ورأى ملاكا متوشحًا بزُنّار صليب مثال الاسكيم المقدس، وعلى رأسه قَلَنسُوَة، وهو جالس يُضَفِّر، ثم يقوم ليصلي، ثم يجلس ليُضَفِّر أيضًا. ثم أتى القديس صوتٌ يقول له: يا أنطونيوس، افعل هكذا؛ وأنت تستريح. فاتخذ القديس لنفسه هذا الزي من ذلك الوقت، وصار يعمل الضفيرة؛ ولم يعُده الملل.

ولما زاره القديس مقاريوس، ألبسه القديس أنطونيوس اسكيم الرهبنة. ولما دنت أيام وفاة القديس أنبا بولا أول السواح، مضى إليه القديس أنطونيوس، واهتم به وكفنه بحُلة أهداها إليه القديس البابا أثناسيوس الرسوليّ.

ولما شعر القديس أنطونيوس بقرب نياحته، أمر أولاده أن يُخفوا جسده، ويعُطوا القديس مقاريوس عكازه، والقديس أثناسيوس فروته، وسِرابيون تلميذه ثوبه الفَضفاض. ثم رقد ممدَّدًا على الأرض وسلَّم الروح، في العشرين من طوبة سنة 355م، بعد أن عاش مئة وخمس سنوات، مجاهدًا في سبيل القداسة والطهر؛ صلاته معنا، ولربنا المجد دائمًا أبديًّا. 

الجريدة الرسمية