عجز العدو عن استرداها في 134 يوما
الأسطورة حرر كبريت في 3 ساعات
قبل اندلاع حرب أكتوبر المجيدة بثلاثة أيام، كان البطل إبراهيم عبدالتواب فى أجازة يقول عنها:"أنه رأى أولاده الثلاثة -منى وطارق وخالد- لآخر مرة وأنه قام بتغليف كراسات المدرسة لكل منهم وداعبهم وقبل ذهابه في الفجر دخل إلى حجرتهم على أطراف أصابعه.. قبلهم ثم مضى".
عند استلامه علم مصر لكى يرفعه على موقع كبريت بعد تحريره، طلب علما ثانيا له، عندما سئل عن سبب ذلك؟ قال سأستشهد ووصيتى لمن معى أن يلفوا جسدى بعلم مصر.. لم ير أولاده بعد ذلك، وقبل أن يستشهد حدد المكان الذى يدفن فيه فى الموقع الذى تم حصاره 134 يوما من العدو وفشل، بل حدد الوضع الذى يضعه جنوده. كل هذا حدث من أسطورة مصرية عمره بعمر النيل فى عمق التاريخ، قلبه عشق مصر وترابها وطمى نيلها..
والآن ماذا نعرف عن معركة كبريت أو الأسطورة ابراهيم عبدالتواب؟ لماذا كبريت كانت محل الاهتمام من قواتنا وأيضا قوات العدو، تلك المعركة التى تابعها العالم بانبهار وإعجاب شديدين؟!
أهمية كبريت
أولا، كبريت كانت إحدى أهم النقط القوية ضمن خط بارليف والتى يتمتع موقعها باستراتيجية في غاية الأهمية، وتأتى أهميتها لأنها تقع في الجزء الفاصل بين الجيشين الثانى والثالث وتلتقى عندها جميع المحاور الطولية والعرضية، كما تقع في أضيق فاصل بين البحيرات المرة الكبرى والصغرى والمسافة بين الشاطئ الغربى والشرقى في هذا الموقع لا تتعدي 500 متر، ويتوسط تلك المسافة جزيرة تجعل من هذا الموقع أنسب مكان يقوم من خلاله العدو بالاختراق السريع وصولا إلى مدينة السويس، وبالتالى يمكن تطويق الجيش الثالث، بالاضافة إلى أن كبريت كانت تضم مقرا لإحدى القيادات الإسرائيلية الفرعية.
ثانيا، كانت المعلومات التى وصلت إلى القيادة المصرية للقوات المسلحة تشير إلى أن العدو الصهيونى بدأ في تجميع قواته نحو نقطة كبريت، وهذا يؤكد أنه ينوى القيام بعملية اختراق عميق للقوات المصرية.
ثالثا، جاء قرار القيادة بتكليف الكتيبة 603 مشاة أسطول وكل افرادها من الصاعقة باقتحام هذه النقطة والاستيلاء عليها، في أسرع وقت وحتى لا تصبح مصدر قلق للقوات المصرية التى عبرت أو التى فى الضفة الغربية.
هذه النقاط الثلاثة لابد من وضعها قبل سرد بعض من بطولات رجال مصر الافذاذ، وعلى رأسهم البطل الأسطورة ابراهيم عبدالتواب الذى جعل الصهيونى الامريكى هنرى كيسنجر وزير الخارجية الامريكية يقول: إنها إحدى المعارك الكبرى التى شرفت العسكرية المصرية ووضعتها في مكانة متميزة بين جيوش العالم.. وكنت أتمنى أن أقابل قائد الكتيبة ابراهيم عبدالتواب. كما كتبت عنه الصحف الصهيونية قائلة: لا ندرى كيف استطاع المصريون أن يصمدوا في حصار دام 134 يوما بدون مياه أو امدادات ولم يستسلموا وكانوا يبادرون بالهجوم!
بداية معركة كبريت
البداية تم تكليف الكتيبة 603 بقيادة المقدم العقيد ابراهيم عبدالتواب بإقتحام منطقة البحيرات المرة، وكان التشكيل مجهزا بعتاد خاص بحيث يتلائم مع ظروف المنطقة التي سيعمل فيها، وتم اقتحام نقطة كبريت القرية الواقعة شرق البحيرات المرة في تمام الساعة الرابعة والنصف السبت السادس من أكتوبر، واستطاعت القوة من تحرير موقع كبريت والسيطرة عليه فى زمن لا يتجاوز الثلاث ساعات، وكان هذا نجاحا مبهرا وهذا يعود الي جسارة الرجال المهاجمين..
بعد ثلاثة أيام من الاستيلاء على الموقع، كانت تحركات العدو تشير إلى استعداده للهجوم لإستعادة النقطة، فرأى قائد الكتيبة ضرورة القيام بخطة مضادة لإفشال الاستعدادات الإسرائيلية وذلك بتنفيذ غارات ليلية على القوات المتجمعة بالقرب من النقطة وإحداث أكبر خسائر بها، وكانت الغارات تتكون من ضابط وأربعة أفراد فقط وقد أدت هذه الغارات إلى إشاعة الذعر بين صفوف الإسرائيليين وتكبيدهم خسائر كبيرة.
استمرت الغارات الجوية بمعدل غارة كل 5 دقائق، وبدأت مواقع المدفعية الإسرائيلية المجاورة توجه ضرباتها إلى موقع كبريت غير أن إبراهيم عبدالتواب طلب من أفراد الكتيبة عدم الرد إلا بإشارة منه، وطلب من الجميع أن يبقوا فى وضع الاستعداد.
إستشهاد الأسطورة
كان الملازم سامى حجازى مسئولا عن نقطة المراقبة الخارجية وكان يبلغ المعلومات إلى القيادة أولا بأول، وفى هذا الوقت أبلغ بتقدم الدبابات الإسرائيلية أكثر20 دبابة من جهة الغرب، غير أن الدبابات دخلت فى حقل ألغام كانت قد زرعته القوات المصرية.
هنا أصدر القائد إبراهيم عبدالتواب أوامره بالضرب والهجوم، فأصيب الإسرائيليون بحالة من الذعر الشديد وتم تدمير حوالى 16 دبابة إسرائيلية مما إضطر الآخرين إلى الهروب.
لم يكن يعنى أن الظروف القاسية التى أحاطت الموقع أن الابطال إلتزموا الدفاع فقط أمام هجمات العدو الصهيونى فقد كان البطل إبراهيم عبد التواب يقول: اذا ضربوا طلقة نرد عليهم بعشرة وفى يوم 14 يناير 1974 قام العدو الاسرائيلى بتحريك بعض عرباته المدرعة في مواجهة الموقع وأمر ابراهيم عبد التواب باطلاق النيران. اصيبت عربة معادية إصابة مباشرة فجن العدو وبدأ يفتح جميع نيرانه على الموقع وكالعادة كان ابراهيم عبدالتواب في الموقع المتقدم يوجه المدفعية عند الحد الأمامى وكانت الساعة العاشرة صباحًا ألا عشر دقائق عندما اتخذت دانة مدفع هاون عيار 81 مللى طريقها الى تلك النقطة المتقدمة لتتطاير إحدى شظاياها وتستقر فى جسد الأسطورة.
وكما أراد الأسطورة قام زملائه بدفنه على مستوى الأرض، احتضنه الرائد محمد سعد الدسوقى الذى خلفه في قيادة الموقع مددوه داخل الأرض التى كانت بالنسبة له شرف مصر. وكانت الدانة التى استقرت إحدى شظاياها داخل جسد الشهيد العظيم آخر دانة تطلق على الموقع، فقد إنسحب العدو بعد أيام تنفيذًا لاتفاقية فصل القوات وبقى موقع كبريت إلى الأبد رمزًا للشرف والصمود.
هذه كلمات لا تعبر مطلقا عن بطولة شباب مصر ومجرد نقطة من محيط الاسطورة ابراهيم عبدالتواب.