رئيس التحرير
عصام كامل

أول شهيد في حرب أكتوبر

عاطف السادات اختار الشهادة عشقا لتراب مصر!

مع بداية حرب أكتوبر73 المجيدة كانت الروح المعنوية لدى الشعب في أعلى درجاتها، ولم يكن هناك احد يفكر في نفسه أو في الثمن الذى يمكن أن تدفعه مصر من أبنائها في سبيل تحرير الأرض، وسط حالة الابتهاج لدى المصريين، جاء تقرير من إذاعة البى بى سى الإنجليزية يعلن مقتل الطيار عاطف السادات شقيق الرئيس أنور السادات أثناء غارات القوات الجوية المصرية على المواقع الإسرائيلية!

 

إعلان هذا الخبر لم يكن أمرا عاديا، فلم يحدث أنه في الحروب يتم إعلان أسماء القتلى، ولكن عندما يكون الإعلان من الإذاعة الإنجليزية فلابد أن ندرك أنها جزء من الإعلام الصهيونى الذى يحاول إضعاف الروح المعنوية للشعب المصرى التى وصلت حتى عانقت السماء مع عبور قواتنا للقناة واقتحام خط بارليف والاستيلاء عليه.

 

وعاطف السادات شاب مصرى استشهد دفاعا عن تراب الوطن، شاب عشق الفداء منذ طفولته، لم يعامل على أنه شقيق رئيس الجمهورية، لم يحلم إلا بشىء واحد، هو أن يكون ضابط طيار، جاء عاطف السادات إلى الدنيا في عام 1948، والتحق بالكلية الجوية ليحقق حلمه ويتخرج في عام 1966، وكان يتميز بالذكاء الشديد، وبروح معنوية عالية وعشق لتراب وطنه، شارك في حرب الاستنزاف وكان دائما يردد لابد من معركة ليري العالم قدرة المقاتل المصري وكفاءته! كان شعلة من الوطنية يقوى إرادة وعزيمة من حوله في التدريب قائلا: "أن هذه الطلعات هي تدريب لليوم الكبير"

 

رفض عاطف السادات فكرة الزواج وكان يرى أن مصر والدفاع عنها هو حبه الأول والأخير وكان يرد على من يطالبه بالزواج: فرحتي الحقيقية هي يوم أن تنتصر مصر، وتنسحب إسرائيل من سيناء ويعود علم مصر ليرفرف من جديد فوق رمالها.. يؤكد كل من تعامل معه أن عاطف السادات، وبالرغم من كونه الشقيق لرئيس الجمهورية، إلا أنه كان مثالا للجميع في الإنضباط والإلتزام.

 

ومن غرائب القدر أنه كان مخططا أن يكون ضمن الطلعة الثانية لضربة الطيران في ساعة الصفر، الا أن النقيب طيار محمد عاطف السادات أصر على أن يكون ضمن الطلعة الأولى، تم نقل إسمه بناء علي رغبته ضمن قائمة الطلعة الأولي التي تم التخطيط لتكون ضربة مفاجئة بقوة 200 طائرة إستهدفت مطارات "المليز وتمادا ورأس نصراني" بالإضافة إلي مركزين قيادة للعدو بمنطقة أم مرجم، وعشرة مواقع صواريخ، وثلاثة مراكز قيادة وسيطرة وإعاقة الكترونية، وعدد من محطات الرادار والمدفعية، وثلاث مناطق للشئون الإدارية وبعض نقاط خط بارليف الحصينة، وقد أسند للنقيب عاطف السادات مهمة قيادة تشكيل فرعي لتدمير عدة بطاريات تدمير صواريخ هوك إٍسرائيلية..

 

بطولة الشهيد

 

 وفي يوم السادس من أكتوبر العظيم وفي تمام الثانية وخمس دقائق من ظهر 6 أكتوبر إنطلق البطل بسرعة مذهلة ليعبر قناة السويس علي إرتفاع منخفض متفاديا التقاطه بشبكات الرادار ووسائل الإنذار، لينقض على الموقع المحدد له ويطلق عدد من صواريخ أرض جو ويدمرها تماما، وينجح في تدمير موقع صواريخ الهوك الإسرائيلية وقام باقي التشكيل بضرب مطار المليز وإصابته إصابات بالغة، وقام البطل بالتحليق فوق المطار مرتين للتأكد من تدمير الأهداف والبحث عن أهداف جديدة وخلال الدورة الثالثة تصاب الطائرة وينال البطل الشهادة وتصعد الروح الشريفة إلي خالقها، كانت الساعة وقتها قد تجاوزت الثانية وإثنتي عشرة دقيقة وفي نفس اللحظة بدأت إشارات اللاسلكي تتوالي بنجاح الضربة الجوية في تنفيذ جميع المهام المحددة لها.

 

عاد التشكيل إلي قاعدة الإنطلاق بعد تنفيذ المهام، ولكن أين عاطف السادات؟ يخيم الوجوم على وجوه الجميع فقد نال الشهادة بعد أن تحقق أمله وساهم في التمهيد لهذا الإنتصار العظيم  ليكون عاطف السادات أول شهيد يوم 6 أكتوبر.

 

ومن كتاب "التقصير" يروى يقول الجندى الصهيونى شاهد العيان -يعمل حاليًا طبيبا بمستشفي جامعة جورج تاون" بالولايات المتحدة الأمريكية ويدعى "آيرون بن شتاين" قائلا: كان عمرى وقت الحرب عشرين عاما، وكنت مجندا بالقوات الجوية الإسرائيلية بمطار المليز في سيناء، في هذا اليوم كان أغلب الضباط والجنود في إجازة عيد الغفران ولم يكن بالمطار إلا حوالى 20 فردا، وفي الثانية والربع ظهرا فوجئنا بطائرتين من طراز (سوخوى) و(ميج) تهاجمان المطار..

 

قام الطيار الأول بمهاجمة الممرات وحظائر الطائرات ودمرها تماما، أما الطيار الثانى -يقصد الشهيد عاطف السادات-  فأخذ يهاجم صواريخ الدفاع الجوى في المطار وكانت من طراز (سكاى هوك) وكانت المسؤولة عن حماية المطار، الطيار الأول إنسحب بعد أن أدى مهمته، أما الثانى فقد إستمر في مهاجمة الصواريخ في دورته الثانية، ولكوننا مدربين على أكثر من طراز من الأسلحة، أطلقت أنا وزميلى النار من مدفع مضاد للطائرات..

 

إلا أن هذا الطيار فاجأنا بمواجهتنا بطائرته وإطلاق الرصاص من مدفعه بقدرة مدهشة على المناورة، فأصاب زميلى بإصابات بالغة بعد أن فشلنا في إسقاطه، إلا أن زميلا آخر لى نجح في إصابته بصاروخ محمول على الكتف في دورته الثالثة، بعد أن دمر وشل المطار تماما -كما يقول  شتاين- في روايته، أنهم كجنود لم يكونوا على علم وقتها بإندلاع الحرب، وكانت صدمتهم قوية عندما علموا أن قائد تلك الطائرة هو نفسه شقيق رئيس مصر.

 

 

ويضيف: شعرنا لحظتها بمشاعر مختلفة وتخوفنا من إنتقام مصر لمقتل شقيق الرئيس، خاصة في ظل حالة الارتباك التى أصابت القيادة الإسرائيلية وقتها، وأذكر أنه عندما حضر الصليب الأحمر لإستلام جثمانه الذى كان قد احترق داخل الطائرة قمنا بتأدية التحية العسكرية له احتراما لشجاعته.

رحم الله عاطف السادات أول شهيد يوم السادس من أكتوبر 73  وتحية وسلام لروحه. 

الجريدة الرسمية