د. محمد الجندي وكيل كلية الدعوة يكتب: هكذا رد الأزهر الشريف على خصوم الإسلام
إن ما يشهده الواقع الآن من طعن في مصادر التشريع، واتهام للإسلام بالرجعية وثقافة الصحراء، وحاجته إلى تجديد في فهم أصوله وإلغاء تراثه، ما هو إلا نتاج لتكوين عقليات على مصادرَ مغرضة، وثقافات مدلسة غير موضوعية ولا منصفة، وقد راقت لبعض العقليات الشرقية لتبني على أساسها طعنات صارخة في كتب الحديث وفي رجال السنة النبوية المطهرة.
والأزهر المعمور يردد قولة الإسلام بالسلام والتسامح والمودة والإخاء، ولكن لا حياة لمَن ينادي، بل تحولت الهجمة على الأزهر نفسه فاتهم بالجمود حاشاه.
إن وهن الباطل يسول له دائمًا تغيير المفاهيم، وهذا ما يشهده واقع الأمة في ظل التربص بالإسلام والتلذذ بتراهات الكيد له ولحضارته، وأخذ المغرضون في الغرب وتلاميذهم في الشرق يبوقون بالشر، ويقذفون بحممه، وطفقوا يلقنون العالم تعاليم الإسلام بعد أن يشوهوها، وحقائق جاءت لتنير أجوائهم يطمسوها، وانقضوا على القرآن الكريم وكتب الحديث انقضاض البزاة على طرائدها، وسارعوا ليرتشفوا من دمائهم إسراعة العطاش إلى مواردها، حتى أصول الدين بين أيديهم مغنما مشاعا، ونهبا مضاعا، وهذه بالمعركة ضد الإسلام تمثل حرب معتقدات ومعركة الثقافة، وقد اعترف الفرنسي "روبير فيدرين" بوضوح لا لبس فيه بوجود صراع حضارات، فقال متسائلا:
"كيف ننكر وجود صراع بين الإسلام والغرب؟!!، في حين تظهر معالمه للعيان بألف طريقة وطريقة، موغلًا بجذوره في التاريخ"، ومن أحدث الدلائل على ما تضمره قلوب خصوم الإسلام التي تغلي غليان المرجل الذي يقطع ماؤه بعضه بعضا وكذا تتقطع قلوبهم من الغل ويعضون أناملهم من الغيظ، ليؤكد دور متسللي الظلام في تشكيل فكر مناوئ للإسلام، وكانت بين أستاذ الدبلوماسية "الدكتور عصمت عبد المجيد"، الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية في قاعة المؤتمر الدولي للتعاون الأوروـ متوسطي الذي شهدته "مارسيليا" بجنوب فرنسا، أمام حشود عريضة من العرب والمسلمين والأوربيين، عندما خرج عن اتزانه الدبلوماسي وحواره الهادئ، ليرد على الفرنسية "فرنسواز جروستيت"؛ بعد أن حاكت اتهامات جائرة ضد الإسلام، وأخذ الدكتور"عصمت" يفند مزاعم النائبة الأوربية الواحدة تلو الأخرى، ويرشقها بحججه المنطقية، في صوت تعلو فيه نبرة الثورة والغضب، وأعرب عن استيائه من إصرار الغرب وأوربا على معاداة الإسلام، واعتباره العدو رقم واحد، فقال الدكتور "عصمت" ردًا على النائبة وقد جاء ذلك في كتابه (مواقف وتحديات في العالم العربي)، ( دار الشروق، ط أولى، 2003م )، صـ 31:
إن الإسلام الذي تتحدثين عنه يا سيدتي، ليس هو إسلامنا الصحيح، وإنما هو إسلامكم أنتم الذي صنعتموه لأنفسكم من محض افتراءات وأكاذيب لا علاقة لها بواقع الدين الإسلامي، ولا بحياة المسلمين، وأرجو هنا أن تسمعي ما أقول لكي تصححي ما برأسك حول الإسلام وأهله، فديننا الحنيف هو دين التسامح والتراحم والرأفة، ولكن المؤسف أنكم عندما تتحدثون عنه تتناسون ذلك، ولا ترونه إلا من منظور الأصولية والتطرف، وهو ما يجعلني أن أتسأل: لماذا لم نسمع أحدكم ـ معشر الباحثين ـ الأوربيين ـ يتحدث عن الأصولية والتطرف عند الصرب الذين فتكوا بمسلمي البوسنة واستباحوا لأنفسهم من دمائهم وعرضهم ما لا يقره عقل أو دين أو منطق سوي؟ !، أم أن الأصولية والتطرف والتعصب هي ـ في شريعتكم المغلوطة ـ ليست إلا من نصيب الإسلام والمسلمين فقط؟!!، لا يا سيدتي، إن الإسلام الصحيح ليس هو الذي ما تتحدثين عنه.
فكانت المفاجأة أن صعدت المنصة، لتعلن اعتذارها إلى "الدكتور عصمت عبد المجيد"، وكل المسلمين بالقاعة، وقالت:"إنها استندت في كل ما قالت إلى دراسة أعدها أحد الباحثين خصيصًا، للاتحاد الأوربي.
إن الكلام يبدي في حروفة شررا، واشهد أيها التاريخ، وسجل أيها القلم تلك الكلمات المريعة التي أفزعت مضاجع الأمة، إن كلمات النائبة الفرنسية تشير إلى شيء خطير جدًا، مفاده أن العقل الغربي المصدر لثقافة العداء ضد الإسلام ومصادره يعتمد على الباحثين الحاقدين كمرجعيات لأدبيات وقرارات الغرب تلك المرجعيات المدلسة التي أشارت النائبة " فرانسواز " إلى نموذج منهم.
ولم يجد الإسلام بدا إلا أن يستصرخ في الكون بحثا عن التسامح، في ظل حبائل الهلاك المثيرة للسخائم والمنابذات، هذه التي قذفتها أوربا لتمد قلوبا عميا بوابل من الزيف بدعاياتها الواهية.
وحكاية قال الإسلام وقال خصومه حكاية واقعية، تشخص مراد الإسلام وأمنية الأعداء، وإليك البيان: قال الله تعالى: (قُلْ يَأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىَ كَلَمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاّ نَعْبُدَ إِلاّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنّا مُسْلِمُونَ)، وقال: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ).
وقال المستشرق " فالويل " (وهو الصديق الصدوق المقرب من الرئيس بوش ): إن الإسلام بذاته دين إرهابي، وأن محمدًا هو أول إرهابي فمن الطبيعي– بناءًا عليه- أن يكون كل مسلم إرهابي.
قال الله تعالى: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ).
وقال المستشرق " فالويل " في برنامج 60 دقيقة الذي تبثه محطة CBS: "إن النبي محمد إرهابي"، ويقول المستشرق المتطرف " بات روبرتسون " - الذي يملك أكبر شبكة فضائية دينية - واصفًا الإسلام بأنه خدعة كبيرة وأن النبي محمدًا كان مجرد متطرف، لقد كان سارقًا وقاطع طرق.
وقال الله تعالى: (يَأَيّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىَ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوَاْ إِنّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
وقال "وليم جيفرد بالكراف": متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في سبيل الحضارة التي لم يبعده عنها إلا محمد وكتابه.
قال الله تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) وقال:(لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ)، وقال:(فَذَكّرْ إِنّمَآ أَنتَ مُذَكّر، لّسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ).
وقال "شاتيليه": " لا شك أن هناك إرساليات تعجز عن نزع العقيدة الإسلامية من نفوس منتحليها، ولا يتم ذلك ببث الأفكار التي تتسرب مع اللغات الأوربية، لتمهد السبل ـ في بداية الأمر ـ للوصول إلى إسلام مادي "
• قال الله تعالى: لاّ يَنْهَاكُمُ اللّهُ عَنِ الّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرّوهُمْ وَتُقْسِطُوَاْ إِلَيْهِمْ إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُقْسِطِين).
• قال الإمام "مجاهد": كنت عند عبد الله بن عمر، وغلام له يسلخ شاة، فقال: يا غلام، إذا سلخت فابدأ بجارنا اليهودي، وقال ذلك مرارا، قفال له: كم تقول هذا ؟ فقال: إن رسول الله لم يزل يوصينا بالجار حتى خشينا أنه سيورثه.
وصدق الشيخ " محمد عبده " حين قال متسائلا: (فهل رأيت تسامحًا مع أقوال الفلاسفة والحكماء أوسع من هذا! وهل يليق بالحكيم أن يكون من الحمق بحيث يقول قولًا لا يحتمل الإيمان من وجه واحد من مائة وجه، إذا بلغ به الحمق هذا المبلغ كان الأجدر به أن يذوق حكم محكمة التفتيش البابوية، ويؤخذ بيديه ورجليه فيلقى في النار).
وختاما:.. لنكن صرحاء: ماذا يريدون من الإسلام؟!! إنه قال فعدل، وتفضل فتكرم، وهم لا يرقبون تسامحا، ولا يرجون سلاما، والإسلام يريد من الغرب وأعوانه أن يتحرروا من عقدة الحقد القديمة الموروثة، فنحن أبناء اليوم لا بقايا الأمس، ولسنا الذين بدأنا هذه الحروب، بل نحن الذين شنت عليهم. ونريد منه كذلك أن يتحرر من نظرة الاستعلاء، التي ينظر بها إلى العالم، فهذه النظرة من شأنها أن تثير الآخرين وتستفزهم، ذاك هو الإسلام وتلك نظرة الآخر إليه، وباب الإسلام مفتوح للتفاوض الكريم، ولكن للأسف أصبح هو وأهله فرائس في عيون وحوش الغابة، وذلك منتهى تقرير واقعنا المعاصر: "الإسلام ينشد التسامح والسلام".