حقيقة معاش الوزراء السابقين
الحكم عنوان الحقيقة، شئنا أم أبينا، تلك هي القاعدة الراسخة التي يكفلها الدستور المصري للمتقاضين، لضمان استقرار المراكز القانونية، ويكون لكل صاحب دعوى دفوع وأسباب واعتبارات قد لا ينظر إليها التشريع، ومن بعده القضاء، ولكن لا بد لنا من سردها، ويجد ذلك السرد مبرره في أن التشريع في حقيقته هو ما استقر في وجدان المجتمع في ضوء معتقداته وأفكاره من ناحية، وتقاليده وأعرافه من ناحية أخرى، وقد تتغير الأفكار والأعراف بمرور الزمن، فيعيد المشرع النظر فيما انتهى إليه سلفًا من تشريعات، وتلك هي سُنة التشريع الوضعي.
وبمناسبة صدور حكم هام سبق أن ألمحنا إليه، فقد حصلنا بشكل شخصي على وجهة نظر البعض من أصحاب الدعاوى التي رفضها هذا الحكم، ونرى أنه من قبيل الحوار المجتمعي يتعين الاستماع إلى هذا الرأي، حتى نُثري الفكر القانوني من خلال طرح ما قد يعدل معه المشرع في المستقبل، ويسير على خطاه القضاء.
معاشات الوزراء
الوزراء الذي أقاموا دعواهم بإعادة تسوية المعاشات المستحقة لهم، هم الذين تولوا مناصبهم في أصعب الظروف التي مرت عليها مصرنا الغالية وتحملوا أحداث يناير وتلقوا من الجماهير ما تنوء به الأحمال، واستطاعوا رغم هذه الظروف أن يحافظوا على ما أقسموا عليه على الرغم ما شهدته فترة عملهم من ضغوط صحفية وإعلامية لم يشهدها مثلهم من الوزراء من قبل أحداث 25 يناير وما بعدها منذ عام 2012 وحتى صدور القانون 28 لسنه 2018.
وهم أيضًا الوزراء الذي يتقاضى بعضهم معاشًا عن فترة عملهم فى الحكومة لا تتجاوز (2000 جنيه) ومعاش وزير لا يتجاوز (400 جنيه) في الوقت الذى تفضل فيه السيد الرئيس مؤخرًا برفع الحد الأدنى للأجور الى (2700 جنيه)، إيمانا منه بأهمية تحقيق حياة كريمة للجميع، وهو ما يزيد أو يقل عن المعاش الذى يتقاضاه هؤلاء الوزراء.
المعاش المستحق
ويطالب هؤلاء الوزراء بإعادة تسوية المعاش المستحق لكل منهم وفقًا للضوابط المنصوص عليها بالمادة الثالثة من قانون رقم 28 لسنة 2018 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 100 لسنة 1987 مع صرف الفروق المالية المترتبة على ذلك، مع الجمع بين هذا المعاش، المعاش المستحق عن مدة خدمتهم بالحكومة لمن شغل المنصب الوزاري.
واحتياطيًا طالبوا بإعادة تسوية المعاش وفقًا للضوابط المنصوص عليها بالقانون رقم 160 لسنه 2018 بتعديل بعض أحكام قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 مع صرف الفروق المالية المترتبة على ذلك.
حياة كريمة
والغرض الأساسي من إقامة الدعوى هو تقرير زيادة الحقوق التأمينية إستنادًا إلى صدور قانون أخر يحقق حياة كريمة لهؤلاء الوزراء السابقين، والذى تمنى السيد الرئيس في أحد مؤتمراته أن يصل دخل الفرد إلى 20000 جنيه وأن يتم تحقيق معاش يساعد على حياة كريمة. وقد سبق وأن قام الوزير المستشار عمر مروان أثناء مناقشته مشروع زيادة مرتبات ومعاشات الوزراء لدى مجلس النواب أن أكد على أنه لا يصح أن يخرج الوزير من الوزارة ليبحث عن عمل خارجها وكم كان عادلًا في هذه المقولة.
وتسوية حالة هؤلاء الوزراء رافعي الدعاوى والذي لم يتجاوز عددهم (80) وزيرًا لن تتجاوز تكلفة تطبيق القانون 28 لسنه 2018 عليهم حوالى 800 ألف جنيه شهريًا في حالة زيادة كل منهم 10 آلاف جنيه شهريًا وهو ما يعادل تسعة ملايين وستمائة ألف جنيه سنويًا وهو أمر لا يسبب إرهاقا لميزانية الدولة التي تزيد عن اثنين تريليون جنيه سنويا ولكنه سوف يكون بمثابة طوق للنجاة والعدالة الناجزة، والجزاء المناسب لمن تحملوا مسئولية ثقيلة خلال سنوات تكاد تكون من أصعب السنوات التي مرت على مصرنا الغالية.
حتمية اجتماعية
وهناك حتمية اجتماعية هامة تستدعى سرعة التدخل لتحسين أوضاع هؤلاء الوزراء والذين فرضت عليهم مناصبهم أوضاعًا اجتماعية تكلفهم الكثير حتى تمكنهم العيش والظهور بالمستوى اللائق الذي لا يهين حكومتهم، وقد يكون من المناسب تكليف الهيئة القومية للتأمينات الاجتماعية إعداد بيان بأسماء هؤلاء الوزراء من رافعي الدعاوى لبيان المعاش المستحق لكل منهم منذ خروجهم وحتى الآن مع التحفظ على أي إشارة إلى مخالفة هؤلاء الوزراء لقانون التأمينات الاجتماعية الحالي والتأكيد على إن أساس دعواهم هو ما سبق بيانه.
كانت تلك رؤية أصحاب الحق المدعى به في الطعون المقامة منهم، وقد قال القضاء الإداري كلمته، وننتظر حكم المحكمة الإدارية العليا في ذات الشأن، وتبقى الثقافة القانونية للمجتمع لتشكل وجدان المُشرع، الذي قد يُخالف في الغد ما تمسك به بالأمس، وعندها يستبشر المستفيدون من التدخل التشريعي، ولكن هل يكون من بينهم أصحاب هذه الدعوى؟.. وللحديث بقية