في ذكراها.. كيف قادت معاهدة فرساي لإنهاء الحرب العالمية الأولى وإذلال ألمانيا؟
في مثل هذا اليوم بدأت أعمال مؤتمر معاهدة فرساي الموقعة في يونيو 1919 في قصر فرساي الفرنسي لإنهاء الحرب العالمية الأولى وإعلان شروط السلام بين الحلفاء المنتصرين وألمانيا، وحمّلت المعاهدة ألمانيا مسؤولية بدء الحرب وفرضت عقوبات تاريخية مذلة وقاسية عليها.
ثمن إنهاء الحرب العالمية الأولى
ودفعت ألمانيا ثمنا باهظا من حيث فقدان الأراضي وتعويضات ضخمة ونزع سلاح، وكان واضحا أن المعاهدة الهدف منها إذلال ألمانيا في الوقت الذي فشلت المعاهدة في حل المشكلات الأساسية التي أدت إلى إندلاع الحرب في المقام الأول ما ساهم في تأجيج المشاعر القومية المتطرفة في ألمانيا، وانتهت بصعود أدولف هتلر وحزبه النازي واندلاع الحرب العالمية الثانية بعد عقدين فقط.
وافتتح مؤتمر باريس للسلام في ذكرى تتويج الإمبراطور الألماني فيلهلم الأول، الذي عُقد في قصر فرساي نهاية الحرب الفرنسية البروسية عام 1871، وكان الانتصار البروسي في ذلك الصراع هو الذي أدى إلى توحيد ألمانيا واستيلائها على مقاطعتي الألزاس واللورين من فرنسا.
وفي عام 1919 لم تنس فرنسا ورئيس وزرائها جورج كليمنصو الخسارة المهينة وقرورا الانتقام منها في اتفاقية السلام الجديدة، وهو ما حدث بالفعل ورآه العالم في شروط معاهدة فرساي، التي هيمن فيها قادة الأربعة الكبار للدول الغربية المنتصرة - ويلسون من الولايات المتحدة، وديفيد لويد جورج من بريطانيا العظمى، وجورج كليمنصو من فرنسا، وبدرجة أقل فيتوريو أورلاندو من إيطاليا على مفاوضات السلام في باريس.
ولم تكن ألمانيا والقوى المهزومة الأخرى النمسا والمجر وبلغاريا وتركيا ممثلة في المؤتمر ولا روسيا التي قاتلت كإحدى قوى الحلفاء حتى عام 1917 قبل أن تبرم الحكومة البلشفية الجديدة في البلاد سلامًا منفصلًا مع ألمانيا وتنسحب من الصراع، وكان للأربعة الكبار أهدافًا متنافسة، كليمنصو يريد حماية فرنسا من هجوم آخر من ألمانيا، لهذا سعى للحصول على تعويضات كبيرة من ألمانيا للحد من تعافي الاقتصاد الألماني بعد الحرب وتقليل هذا الاحتمال.
من ناحية أخرى رأى لويد جورج إعادة بناء ألمانيا كأولوية من أجل إعادة تأسيس الأمة كشريك تجاري قوي لبريطانيا العظمى، بينما كان يريد أورلاندو توسيع نفوذ إيطاليا وتشكيلها لتصبح قوة عظمى يمكنها الحفاظ على قوتها جنبًا إلى جنب مع الدول الأخرى.
لكن ويلسون عارض المطالب الإيطالية التي تتعارض مع الترتيبات المسبقة بشأن الأراضي بين الحلفاء الآخرين وفي النهاية فرض الحلفاء الأوروبيون شروط سلام قاسية على ألمانيا وأجبروها على تسليم حوالي 10٪ من أراضيها وجميع ممتلكاتها في الخارج.
ودعت البنود الرئيسية الأخرى لمعاهدة فرساي إلى نزع السلاح واحتلال منطقة راينلاند، وتقيد الجيش والبحرية الألمانية ومنعها من الاحتفاظ بسلاح جوي وطلبوا منها إجراء محاكمات جرائم الحرب ضد القيصر فيلهلم الثاني والقادة الألمان كما أجبرت المادة 231 المعروفة باسم بند ذنب الحرب ألمانيا على الاعتراف بالمسؤولية الكاملة عن بدء الحرب العالمية الأولى ودفع تعويضات هائلة عن خسائر الحلفاء في الحرب.
انتقاد معاهدة فرساي
وتم التوقيع على معاهدة فرساي في 28 يونيو 1919 بعد خمس سنوات بالضبط من اغتيال القومي الصربي جافريلو برينسيب وزوجته في سراييفو مما أدى إلى اندلاع الحرب العالمية الأولى، وعلى الرغم من أن المعاهدة تضمنت عهدًا بإنشاء عصبة الأمم وهي منظمة دولية تهدف إلى الحفاظ على السلام، إلا أن الشروط القاسية المفروضة على ألمانيا ساعدت في ضمان ألا يستمر السلام لفترة طويلة.
وكان الألمان غاضبين من المعاهدة معتبرين إياها إملاءات أو إملاء سلام واستاءوا بمرارة من اللوم الوحيد لهم في إندلاع الحرب وعبء التعويضات على الدولة الذي قدر بـ 132 مليار مارك ألماني، أي ما يعادل حوالي 33 مليار دولار وهو مبلغ كبير لم يتوقع أحد أن تتمكن ألمانيا من دفعه بالكامل بل توقع الاقتصاديون مثل جون ماينارد كينز أن ينهار الاقتصاد الأوروبي إذا حدث ذلك.
في السنوات التي أعقبت معاهدة فرساي اعتقد العديد من الألمان العاديين أنهم تعرضوا للخيانة من قبل هؤلاء القادة الذين وقعوا المعاهدة وشكلوا حكومة ما بعد الحرب، لتصعد القوى السياسية اليمينية المتطرفة وخاصة حزب العمال الاشتراكي الوطني ـ النازيين ـ طوال عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي.
وأدت الاضطرابات الاقتصادية إلى زعزعة استقرار حكومة فايمار الضعيفة بالفعل، مما مهد الطريق لصعود الزعيم النازي أدولف هتلر إلى السلطة في عام 1933 وفتح الطريق على مصراعيه للدخول في الحرب العالمية الثانية.