لا شماته في الموت.. تحلل جثث مقاتلي داعش بمصراته الليبية لعدم دفنها من 2016
تتحلل مئات من جثث مقاتلي تنظيم داعش الذين قُتلوا في معارك قبل سنوات في الثلاجات (البرادات) خارج مدينة مصراتة الليبية، في الوقت الذي تدرس فيه السلطات الأمر وتبحث عن حلول.
ووفق وكالة ”رويترز“، يمثل مصير الجثث، تذكرة قاسية بحالة الفوضى التي كان من المفترض أن تعالجها الانتخابات التي لم تر النور.
وكانت الحكومة جمعت الجثث من ساحات القتال والقبور غير الرسمية في 2016، لكن لم يتم الاتفاق على طريقة أو مكان لدفنها. وما زالت 742 جثه مخزنة في زاوية يعلوها الغبار بمجمع في جنوب شرق مصراتة.استمر الصراع في ليبيا، وتبدلت خطوط المواجهة، وتغيرت الحكومات والأوضاع في الأزمة المالية. وبمرور الوقت، بدأت الجثث تتحلل، مع انقطاع الكهرباء عن حاويات التبريد.
وفي المجمع الذي تديره وحدة شرطة وتحيط به أسوار وكاميرات مراقبة أمنية، تفوح رائحة الجثث المتحللة، وتنمو الأعشاب بين الحاويات وتقف خيمة الطب الشرعي المهجورة تحت أشعة الشمس.
يقول صلاح أحمد من وحدة الشرطة التي تدير المجمع: ”انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة يزيد الوضع سوءا و(ينشر) الرائحة الكريهة“.
كان الغرض من تجميعها في الأصل هو تحديد هوية أصحابها ودفنهم بشكل مناسب. لكن، حتى المقاتلين الذين تم التعرف عليهم من خلال الوثائق أو بمساعدة رفاق سابقين، لم تهتم الدول الأجنبية أو أفراد الأسر باستلام جثثهم، تاركين الأمر لحكومة طرابلس.
وفشلت خطة تتضمن تخصيص مقبرة في مدينة سرت، التي سيطر عليها داعش في 2015، وظلت في قبضته لأكثر من عام، عندما تغيرت خطوط المواجهة.
وتعثرت خطة أخرى لدفنهم في مقبرة مخصصة أصلا للمهاجرين الذين لاقوا حتفهم أثناء محاولة المرور عبر ليبيا إلى أوروبا. وكان السبب هذه المرة أن المقبرة لم تكن كبيرة بما يكفي.
تقول وحدة الشرطة التي تدير المجمع، إن الحكومة المؤقتة خصصت ميزانية لدفن الجثث قريبا. لكن لم يتم الإعلان عن موعد محدد أو مكان للدفن.
وتقول رويترز، إن ”حكومة الوحدة الوطنية لم ترد على طلب للتعليق، فالسلطات في طرابلس لديها أولويات أخرى وسط صراع سياسي أجهض الانتخابات، وتنافس مستمر بين قوى محلية يفرض كل منها سيطرته على جزء خاص به“.
وكانت الأنظار تتطلع للانتخابات، التي كان يُفترض إجراؤها في الشهر الماضي، على أنها طريق محتمل للمضي قدما، بما يمنح حكام ليبيا الجدد تفويضا أكثر وضوحا للتعامل بشكل حاسم مع الآثار المروعة للحرب. لكن الانتخابات لم يُكتب لها الحياة ولم تُجرَ قط وسط خلافات بين الفصائل المتنافسة حول القواعد الأساسية الحاكمة لها.
متشددون استغلوا الفوضى
انهارت ليبيا بعد انتفاضة 2011 التي دعمها حلف شمال الأطلسي ضد معمر القذافي، عندما دبت الخلافات بين الجماعات المتمردة المنتصرة وتنازعت الفصائل السياسية على السيطرة على ثروات الدولة.
في خضم هذه الفوضى، ومن رحم انتفاضات الربيع العربي بأماكن أخرى، ظهرت موجة جديدة من التشدد، وبدأ أنصار تنظيم داعش في شن هجمات والاستيلاء على أراض، من بينها مدينة سرت مسقط رأس القذافي.
تسلل المئات من المؤيدين الأجانب للجماعة إلى ليبيا على أمل الانضمام إلى المقاتلين المحليين الذين احتشدوا لنُصرة قضيتها.
وبعد دحر داعش في سرت أواخر 2016، تُركت مئات من جثث المسلحين تحت الأنقاض أو في قبور حفرها رفاقهم على عجل.
وفيما عدا حادث إطلاق نار كبير في طرابلس في 2019، اقتصر نشاط تنظيم داعش منذ ذلك الحين على غارات صغيرة على بلدات صحراوية نائية، لكن بعض الخبراء يحذرون من أن أي تكرار لحرب كبيرة قد يمنحه مساحة للعودة.
وأمرت الحكومة السابقة بجمع الجثث من تحت الأنقاض واستخراجها من المقابر الجماعية للتعرف على هوية أصحابها وإعادتها إلى بلدانهم الأصلية أو لعائلاتهم الليبية.
وكانت تريد أيضا جمع أدلة على تدفق المتشددين الأجانب إلى ليبيا.
واعتمادا على الوثائق والصور، والتحدث إلى مسلحين أسرى، حددت السلطات هوية أكثر من 50 جثة، معظمها لأشخاص من دول عربية وأفريقية، ولكنها حددت أيضا بصورة مبدئية هوية امرأة بريطانية وطفل فرنسي.وتقول الشرطة، التي أصبح الحفاظ على الجثث في عهدتها، إنها تأمل في أن تتمكن الحكومة من إيجاد حل سريع. فأربع من وحدات التبريد العشر لا تعمل حاليا. وعندما يحدث ذلك، يتعين نقل الجثث إلى وحدات تبريد غير معطلة.
بالرغم من أن ليبيا منتج رئيسي للنفط، إلا أن الفوضى السياسية قوضت البنية التحتية، بما في ذلك إمدادات الطاقة.
ويقول أحمد إن ”حفظ الجثث في البرادات (الثلاجات) مكلف ومرهق. الظروف غير مناسبة“.