في الدفاع عن معلمة رقصت!
القضاء العادل، هو إصدار الأحكام بالإدانة أو البراءة، بعد التحقيق والاستدلال والثبوت والاستخلاص والتيقن، وهكذا يذهب القاتل إلى المشنقة، أو المؤبد، أو يخرج المتهم بريئا، وضمير القاضى مطمئنا هذه وظيفة ورسالة، والقائم بها يعلم أنه يبرئ متهما أو يزهق روحا، أو يسجن إنسانا ثبتت عليه تهما تدينه وتدمر سمعته، وهو حين يفعل ذلك يفعله بضمير من يحمي المجتمع، ومن يطبق القانون، ومن ينفذ مشيئة السماء على الأرض.
هذه بديهية، ما كان يجب البدء بها، لولا أن المصريين كلهم تقريبا اختاروا أن يعملوا بالمهنة المقدسة. لا مبالغة في أن المجتمع المصرى نصب نفسه في المهام الآتية: القاضي. المحقق. وكيل النيابة. رجل الدين. رئيس الدولة. الخبير الاقتصادى. المصلح الاجتماعي. صياد الفضائح.. والقائمة مفتوحة. ما كان هذا ليتحقق قط لولا أن أصبح لدينا ٣٠ مليون رئيس تحرير على الفيسبوك، يختارون الموضوعات. يفبركون القضايا. يختارون الألفاظ. يضعون الصور. يطلقون الخيال كما يرغبون والألفاظ ركيكة والإملاء بأخطاء فاضحة.
انتهاك الحرية
المجتمع الذي يحاكم نفسه عادة هو مجتمع حي الضمير، وهو ما يمكن إدراجه تحت منظومة أدوات ووسائل الضبط الاجتماعي من نهى وزجر أو ترغيب واستحسان. نشأت هذه الأدوات من الدين ومن الأعراف، هذا يجب وهذا لا يصح.. في إطار مقبول. لم يقفز هذا النهى أو هذا الترغيب إلى منطقة التجاوز، إلا بعد أن صار للمرضى منصات يحاكمون منها الناس ويشهرون بهم، وإلا بعد أن صارت كاميرا الموبايل أداة قنص واصطياد الناس في مواقف على طبيعتهم بهدف الابتزاز.
مدرسة ترقص في رحلة، هى حرة. الحياة الخاصة مصونة. العمل له حرمته. بعد العمل حياتك تخصك، ما لم يؤد ذلك إلى أفعال شائنة. هذه رحلة مدرسية. كلنا في الرحلات نفرح ونمرح. حتى في الأفراح، بنتك أو بنت أخيك أو حتى صديقك، يجذبونك في رقصة مجاملة. هذه حياتنا. حين يتحول المجتمع إلى محكمة تفتيش، وترصد وابتزاز.. هذه مصيبة، حين ترضخ الدولة الرشيدة ممثلة فى وزارة أو أخرى، لضغوط التجريس، والتحريض، حتى فى مسألة تافهة كهذه، فتلك مصيبة أكبر. ليس مفهوما على الإطلاق محاسبة المعلمة.. بل ليس مفهوما أكثر ألا يحاسب النذل الوغد الذي صور وشير.
ليست هذه واقعة فردية، بل صارت كاميرات الموبايلات شغل عصابات وابتزاز، ولابد من تفعيل قوانين تجرم التصوير دون موافقة الشخص، وتجريم من يصورك وهو يخفى الكاميرا، أو يضعها في مسار بعيد عن الضحية، بينما هو فى مجالها البؤرى. لماذا يصمت الناس في هذه القضية، ولا يصمتون عند فضح إنسان بلا أدلة، وحتى لو هناك أدلة أليس الستر من موجبات ديننا؟.
تخيل أن المجتمع كله مفتوح الكاميرات على بعض، نكون تعرينا جميعا بكل حماقاتنا وسفالاتنا. من أجل هذا أمر الله بالستر، وجعله من صفاته، فهو الستار، وحين ننتهك ستر الناس، نكون من العصاة البغاة. الذي يصور ويشير خلسة، أو دون إذن الشخص موضوع التصوير، هو من يجب محاكمته.. والموظف الإدارى ضيق الأفق، سلفى المخ والفؤاد، أحق بإيقافه عن العمل حتى يتم تطهير وجدانه من التزمت.. ورفع الأقفال عن عقله!